وما شُرِعت الاستعاذة من {شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}(٢)، إلا لما يدفعه إليه تنافسه غير الشريف: من كيد، ومكر، وحيلة، ووقيعة، وما ذنب المحسود إلا الله فضَّله ببعض نعمه، أو وفَّقه لاغتنام وقته وقدراته، إلى أن حاز قدم السبق، وصار محطَّ الأنظار.
يقول الشوكاني:(ومعنى إذا حسد: إذا أظهر ما في نفسه من الحسد، وعمل بمقتضاه، وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود)(٣).
وقد تتكرَّر قصة ابني آدم:{إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}[المائدة: ٢٧]، والسعيد مَن ثبَّته الله على ألا يقابل الإساءة بالإساءة كما فعل ابن آدم الأول حين قال:{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}[المائدة: ٢٨]، وتتكرَّر القصة في أبناء آدم حسدًا على دنيا، أو غيرة من صلاح وهمة أو غير ذلك.
ومن أقبح الحسد: ما يكون من المنعَّمين والسبَّاقين في كثير من مجالات الحياة، وكأنما يريدون احتكارها لأنفسهم.
يقول صاحب الظلال:(إنه لمن آلام الحسد: أن يحسد ذو النِّعمة الموهوب، لقد يحسد المحروم ويكون الحسد منه رذيلة، أما أن يحسد المغمور بالنعمة فهذا هو الشر الأصيل العميق ..)(٤).
(١) هذه الأقوال منقولة من الجامع لأحكام القرآن ٥/ ٢٥١ من تفسير الآية ٥٥ من سورة النساء. (٢) من الآية (٥) من سورة الفلق. (٣) فتح القدير الشوكاني ٥/ ٥٢١ عند تفسير سورة الفلق. (٤) في ظلال القرآن ٢/ ٦٨٣ من ظلال الآية ٥٥ من سورة النساء.