السَّقِيفَةِ. وَهَؤُلَاءِ (١) تَنَقَّصُوا عَلِيًّا مِنْ حَيْثُ قَصَدُوا تَعْظِيمَهُ، لِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ - مَعَ شَجَاعَتِهِ الْعُظْمَى وَصَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ - إِلَى الْمُدَاهَنَةِ وَالتَّقِيَّةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ طَلَبِ حَقِّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَهَا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْخِلَافَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَلِذَلِكَ سَاغَ لَهَا إِنْكَارُ ذَلِكَ، وَاسْتَنَدَتْ إِلَى مُلَازَمَتِهَا لَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي حِجْرِهَا وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَسَاغَ لَهَا نَفْيُ ذَلِكَ، لِكَوْنِهِ مُنْحَصِرًا فِي مَجَالِسَ مُعَيَّنَةٍ لَمْ تَغِبْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَصَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ فِيهِ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي مَرَضِهِ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يُوصِ وَسَيَأْتِي فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ عَنْ عُمَرَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ الْإِمَارَةِ شَيْئًا الْحَدِيثَ.
وَأَمَّا الْوَصَايَا بِغَيْرِ الْخِلَافَةِ فَوَرَدَتْ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ يَجْتَمِعُ مِنْهَا أَشْيَاءُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ فِي الزُّهْدِ وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: مَا فَعَلَتِ الذّهَيبةُ؟ قُلْتُ: عِنْدِي. فَقَالَ: أَنْفِقِيهَا الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَزَادَ فِيهِ: ابْعَثِي بِهَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا وَفِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ رِوَايَةَ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْهُ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا بِثَلَاثٍ: لِكُلٍّ مِنَ الدَّارِيِّينَ وَالرَّهَاوِيِّينَ وَالْأَشْعَرِيِّينَ بحاد (٢) مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وَأَنْ لَا يُتْرَكَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، وَأَنْ يُنْفَذَ بَعْثُ أُسَامَةَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَوْصَى بِثَلَاثٍ: أَنْ تُجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ الْحَدِيثَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ سَعْدٍ وَاللَّفْظُ لَهُ كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَآخَرُ مِنْ رِوَايَةِ نُعَيْمِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيٍّ: وَأَدُّوا الزَّكَاةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ شَاهِدٌ آخَرُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، وَأَخْرَجَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي الْفُتُوحِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَذَّرَ مِنَ الْفِتَنِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلُزُومَ الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ وَأَخْرَجَ الْوَاقِدِيُّ مِنْ مُرْسَلِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ صلى
الله عليه وسلم أَوْصَى فَاطِمَةَ فَقَالَ: قُولِي إِذَا مُتُّ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنَا - يَعْنِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ - فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَبْنَائِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ انْتَهَى، وَفِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ.
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَغَسِّلُونِي بِسَبْعِ قِرَبٍ مِنْ بِئْرِ غَرْسٍ وَكَانَتْ بِقُبَاءٍ وَكَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا، وَسَيَأْتِي ضَبْطُهَا وَزِيَادَةٌ فِي حَالِهَا فِي
(١) أي الشيعة(٢) قال مصحح طبعة بولاق: كذا بالأصول التي بأيدينا، وحرر الرواية
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute