فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه بالاتفاق، وما أشد حاجة الأمة إلى معرفة القرآن الذي فيه ذكرهم وشرفهم. قال أهل التفسير في قوله تعالى:{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ}[الأنبياء: ١٠] أي شرفكم (١).
وقال بعضهم (٢) في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ}[آل عمران: ١٩٣]. هو القرآن.
(فإن كل الأمة)(٣) لم تسمع من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فكيف لا يحتاج المسلمون إلى معرفة القرآن الذي شرفهم اللَّه به وجعله بشيرًا ونذيرًا ومناديًا وداعيًا إلى الهدى وحجة ونورًا وبرهانًا وشفاء ورحمة ومعجزة لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعرفًا للأحكام من الحلال والحرام والصلاة والزكاة والحج والصيام وسائر الأحكام.
وأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتبليغه والإنذار به.
فهذا مما لا يجوز للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يهمل بيانه ولا يكتمه عن أمته سيما وقد أمره اللَّه بالتبليغ وفرضه وتوعده على تركه فقال:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة: ٦٧].
وقال:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}[الحجر: ٩٤].
وقال مخبرًا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام: ١٩]. أي ومن بلغه القرآن.
وأيضًا لو ساغ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- السكوت عن بيان القرآن فكيف ساغ له إيهام أمته أن
(١) قاله ابن عباس وغيره: انظر تفسير ابن كثير والبغوي (٥/ ٤٧٧). (٢) هو محمد بن كعب القرظي: انظر تفسير ابن جرير (٤/ ٢١٢). (٣) في النسختين (فإن كلاميته لم تسمع من اللَّه. . . والتصويب من البرهان لابن قدامة (ص ٢٢٧) ومنه ينقل المؤلف.