للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَسْتَغِيثُونَرَبَّكُمْ}، بفعل يريده الله، إذ إرادة الله مستمر تعلقها بأزمنة من إرادته إحقاق الحق حتى النصر ونهاية بدر، فكانت استجابة الله لهم بإمدادهم بالملائكة من مظاهر إرادته تحقيق الحق، وإذ كانوا بينهم وبين إرادة الله أن يحق الحق مدة من الزمان، فقد اقترن ببعضها على امتداد تلك المدة كما ذكرنا فصح تعليق ظرف الاستغاثة بفعلها. (١)

وعبر بالمضارع لاستحضار هذه الصورة العجيبة (٢)، من الماضى لتكون محل العبرة وعبر بضمير الجماعة وأريد به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكون الجمع للتعظيم، أو لأنه كان يدعو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأجلهم معلناً بدعائه وهم يسمعون، فهم بحال من يدعون، أو أن المسلمين أنفسهم كذلك كانوا يستغيثون ويدعون فصح إطلاق الجمع على الجميع. (٣)

{فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: ٩]، لما كانت الاستغاثة طلب الغوث، وهو الإعانة على رفع الشدة والمشقة وكانوا في ذلك يومئذ، دعوا بطلب النصر لرفع ما هم فيه، فاستجاب لهم، بإجابة دعائهم عقيب الاستغاثة كما تفيده الفاء ولكن على أتم وجه لأن الاستجابة تدل على قبول الطلب والسين والتاء للمبالغة في تحقيق المطلوب.

وقد جاءت الاستجابة بكلام من الله هو: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: ٩]، أي بأنى ممدكم، أي معينكم وناصركم والتأكيد للاعتناء بشأن الخبر.

والإرداف الإتباع والإلحاق؛ فيكون الوعد بألف وبغيرها على ما هو متعارف عندهم من إعداد نجدة للجيش عند الحاجة تكون لهم مدداً، وذلك أن الله أمدهم بآلاف من الملائكة بلغوا خمسة آلاف كما ورد في سورة آل عمران، وهم مردفين بألفين، فتلك خمسة


(١) الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (٩/ ٢٧٣ - ٢٧٤).
(٢) أبا السعود، إرشاد العقل السليم (٢/ ٣٤٥)، الألوسى، روح المعانى (٦/ ٢٥٠).
(٣) الفخر الرازى، التفسير الكبير (٧/ ٤٥٠ - ٤٥١)، أبا السعود، إرشاد العقل السليم (٢/ ٣٤٥ - ٣٤٦)، الألوسى، روح المعانى (٦/ ٢٥٠)، الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (٩/ ٢٧٣ - ٢٧٤).

<<  <   >  >>