كبيرةٌ، فالَّذي تَرَتَّبَ عليه البراءةُ منه، ليس منَّا كذا، "من غشَّ فليس منَّا"(١)، وكذلك:"لا يُؤْمِنُ من لا يَأْمَنُ جارُه بَوَائِقَه"(٢)، كبيرةٌ؛ لأنَّه رُتِّبَ عليه نَفْيُ الإيمانِ.
إذن الكبيرةُ محدودةٌ - يعني تُعْرَفُ بالحَدِّ دونَ العَدِّ - وأحسنُ ما قيل فيها ما اختاره شيخُ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ من أنَّ الكبيرةَ ما رُتِّبَ عليه عقوبةٌ خاصَّةٌ.
وقَوْلُهُ:{وَالْفَوَاحِشَ} بالنَّصْبِ معطوفةٌ على {كَبَائِرَ}؛ أي: ويجتنبون الفواحشَ، قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ:[وهي موجِباتُ الحدود من عطفِ البعضِ على الكلِّ]. فَسَّرَ المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ الفواحشَ بأنَّها ما تُوجِبُ الحَدَّ، فَلْنَعُدَّ الزِّنا فاحشةً، وهو بنصِّ القرآنِ {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}[الإسراء: ٣٢]، نكاحُ ذواتِ المحارِمِ فاحشةٌ؛ لقولِ اللهِ تبارك تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}[النِّساءِ: ٢٢]، تأمَّلِ الآن أيُّهُما أعظمُ نكاحِ ذواتِ المحارِمِ أو الزِّنا؟
الجوابُ: الأوَّلُ؛ لأنَّ اللهَ قال فيه:{كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}، وفي الزِّنَا قال:{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} ولهذا كان القولُ الرَّاجحُ أنَّ الإنسانَ إذا زنى بمحارِمه وَجَبَ رَجْمُهُ، سواءٌ كان مُحْصَنًا أمْ غَيْرَ مُحْصَنٍ.
والمفسِّرُ يقول: كلُّ ما فيه حدٌّ فهو فاحشةٌ؛ فالسَّرقةُ فاحشةٌ؛ وقَطْعُ الطَّريقِ فاحشةٌ؛ لأنَّ فيه حدًّا، والخمرُ فاحشةٌ، والصَّحيحُ أنَّ عقوبةَ الخمرِ ليست حدًّا،
(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب من غشنا فليس منا، رقم (١٠١)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (٢) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه، رقم (٦٠١٦)، من حديث أبي شريح - رضي الله عنه -.