والنُّون كالتَّنوين تُحذَف مع الإضافة {مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}.
قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَاسْتَعِذْ} من شَرِّهم {بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لأَقْوالهم {الْبَصِيرُ} لأَحْوالهم]، {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}(استَعِذْ) بمَعنَى: استَجِرْ به واعتَصِمْ به فإنه جَلَّ وَعَلَا نِعْمَ المَعاذُ؛ ولهذا لمَّا دخَل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على امرأةٍ تَزوَّجها فقالت: أَعوذُ بالله مِنْك. قال:"لَقَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ الحقِي بِأَهْلِكِ"(٢) وَترَكها مع أنه تَزوَّجها راغِبًا فيها، لكنَّها استَعاذَت بمَن لا يُمكِن أن يُخفَر جِوارُه أبَدًا، قال:"الحقِي بِأَهْلِكِ".
فاستَعِذْ بالله؛ مِن أيِّ شيء؟ يَقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[مِن شَرِّهِم] والأَوْلى أن يَكون الأمر أعَمَّ. أي: استَعِذ بالله من كل مَكروهٍ، فلا مَلجَأَ للإنسان إلَّا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ولا عِياذَ إلَّا به، ولا لِياذَ إلَّا به أيضًا، فهو عَزَّ وَجَلَّ نفَرَ منه إليه.
وقوله:{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ختَمَ الآية بالسَّمْع والبصَر؛ لأن ما يُؤذون به النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إمَّا قول فيُدرَك بالسَّمْع، أو فِعْل فيُدرَك بالبصَر. يَعنِي: آذَوْك بالقول فنَحن نَسمَع، بالفِعْل فنحن نُبصِر، وهذا فيه من تَطمين الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - ما يُعلَم - إن شاءَ الله - في ذِكْر الفَوائِد والله أَعلَمُ.
(١) انظر: ذكريات علي طنطاوي (٢/ ٣٤١). (٢) أخرجه البخاري: كتاب الطلاق، باب من طلق، رقم (٥٢٥٤)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -، ورقم (٥٢٥٥)، من حديث أبي أسيد - رضي الله عنه -.