تَمشِي على الأرض تَجرِي، وقد جاء في الأثَر:"أنَّها تَجرِي بلا أُخدودٍ"(١) أي: بلا مجَارٍ على وجهِ الأَرْض، ولا تَحتاج إلى حَفْر سَواقٍ، ولا إلى جُدران تَمنَع من سَيَلان الماء، بل تَجرِي بدون شيء، وورَد أيضًا:"أنها تَجرِي باختِيار الإنسان حيث يُوجِّه النهرَ حيث شاء، ويُمسِكه حيث شاء"(٢)؛ لأن الله تعالى يَقول:{وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[الزخرف: ٧١]، نَسأَل الله تعالى أن يَجعَلنا وإيَّاكم مِنهم.
ومِن نِعَم الله تعالى علينا في الأرض أن: نَهْر النِّيل وسَيْحونَ وجَيْحونَ من الجَنَّة، وقد ورَد فيه الحديث أنها "مِنْ أَنْهَارِ الجَنَّةِ"(٣)، لكن المَعنى أنها تُشبِه أنهار الجَنَّة بالصَّفاء، وليس مَعناه: أنها نزَلَت من السَّماء، فهو من باب التَّشبيه البَليغ.
وقوله تعالى:{وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ}: {وَعْدَ} يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [مَنصوب بفِعْله المُقدَّر]، أي: وعَدوا وَعْدَ الله، أو على رأيٍ آخَرَ محُتَمَل: التَّقدير أَنجَزوا وعدَ الله، يَعنِي: أَنجَز الله لهم وَعْده، وعلى هذا يَكون مَنصوبًا بفِعْلٍ مُقدَّر من غير فِعْله، أمَّا على رأيِ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ فهو مَصدَرٌ مَحذوف العامِل.
قوله تعالى:{لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: وَعْدَهُ فأَفادَنا بأنَّ (أل) هُنا نائِبة مَناب الضمير، وأن الِميعاد بمَعنَى: الوَعْد؛ فقوله تعالى:{لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} أي: أنه لا يُخلِف ما وعَدَه بشيء آخَرَ؛ لأن لفظة (أَخلَفَ) تَدُلُّ على
(١) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣/ ٢٧٣)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٨٤٥)، وابن أبي شيبة في المصنف (١٨/ ٤٠٧)، عن مسروق من كلامه. (٢) انظر: تفسير القرطبي (١/ ٢٤٠). (٣) أخرجه مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب ما في الدنيا من أنهار الجنة، رقم (٢٨٣٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.