حتى كان في ضَحضاحٍ من نار وعليه نَعْلان من نارٍ يَغِلي منهما دِماغُه (١)؛ فكيف هنا أَغنَى شَفْع ونَفَعَتْه الشفاعة؟
فيُقال: أوَّلًا: الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لم يَتمَكَّن من إخراجه من النار، وإذا لم يَتمَكَّن من إخراجه من النار لم يَكُن مُعارِضًا للآية، لأن الله تعالى قال:{أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ}، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ما أَنقَذَه.
ثانيًا: أن التَّخفيف عن أبي طالِب ليس من أجل أنه عمُّ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهذا أبو لَهَبٍ عَمُّه ولكن لم يُغْنِ عنه شيئًا، لكن لِما قام به أبو طالب من الدِّفاع العظيم عن الإسلام وعن رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، فإنه دافَع عنه مُدافَعةً عظيمة، بل إنه كان يَمدَح الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المَحافِل وشَهِد له بالرِّسالة، فقال:
هذا بَيْتٌ من لامِيَّته المشهورة التي قال عنها ابنُ كثيرٍ (٢) رَحِمَهُ اللهُ قال: "هذه يَنبَغي أن يمون من المُعلَّقات، بل هي أَبلَغُ من المُعلَّقات، والمُعلَّقات هي قصائِدُ اختارَها العرَب وسَمَّوها: المُعلَّقاتِ السَّبعَ، وأَضافوا إليها ثلاثًا سمَّوْها: المُعلَّقاتِ العَشرَ، وهذه القصائِدُ علَّقوها في جوف الكعبة حِفاظًا عليها وتَنويهًا بها، لكن لامِيَّة أبي طالب أشَدُّ وأشَدُّ، يَعنِي: أحسَنُ وأعذَبُ، فشهِد للرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه غير مُكذَّب، وأنه لا يُعنَى بقول الأَباطِل: السحَرة، بل إنه - صلى الله عليه وسلم - أصدَقُ الناس وأنزَهُ الناس.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم (٦٥٦٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب، رقم (٢١٠)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. (٢) انظر: سيرة ابن هشام (١/ ٢٨٠)، وديوان أبي طالب (ص ٨٤). وقال ابن هشام بعد أن ذكرها: هذا ما صح لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها. (٣) البداية والنهاية (٤/ ١٤٢ - ١٤٣).