ومن البشرى أيضًا: أنْ يُوفِّقك اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لمصاحَبَةِ الأَخْيارِ، فكما جاء في الحديث:"إِنَّ المَرْءَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ"(١)، فإذا وجَدْتَ أنَّ الله وفَّقَك لمصاحَبَةِ الأخيار، فإن هذا عنوانٌ على السَّعادَة.
ومن البشرى أيضًا: أنْ يُحِبَ الإنسانُ من يُحِبُّه اللهُ، فإنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن الرَّجُلِ يُحِبُّ القَوْم ولمَّا يَلْحَقْ بهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ"(٢)؛ قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "مَا فَرِحْنَا بعد الإسلام بشَيْءٍ أحَبَّ إلينا من هذا الحديث"؛ ثم قال:"فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأُحِبُّ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ"(٢)؛ فهذه من البُشْرَى.
المهم: أنَّ البُشرى كلُّ خبرٍ سارٍّ، فيشمل ما قاله المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[الجَنَّة] وهي الغاية لكلِّ إنسانٍ، ويشمل ما كان علامةً على ذلك. قوله تعالى:{فَبَشِّرْ عِبَادِ} أمر اللهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بأن يُبَشِّرَ عباد الله بالجَنَّة، وبكل ما يَسُرُّهم حتى في الدنيا، فالمؤْمِنُ مسرورٌ دائمًا وإن أصيب ببلاءٍ فإنه مسرورٌ؛ لأنَّه إذا أصيب بالبلاءِ فَصَبَرَ كان خيرًا له.
قوله:{فَبَشِّرْ عِبَادِ} الدال مكسورة مع أنها مفعولٌ به؛ لأنَّ أَصْلَها (عبادِي) فحُذِفَتِ الياءُ للتَّخْفيفِ؛ كما في قوله تعالى:{وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}[الرعد: ١١]. أي: مِنْ (والِي)، وإن كان الياء في (والِي) غير الياء في (عبادي)؛ لأنَّ الياء في (والٍ)
(١) أخرجه الإمام أحمد (٢/ ٣٠٣)، وأبو داود: كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، رقم (٤٨٣٣)، والترمذي: كتاب الزهد، باب (٤٥)، رقم (٢٣٧٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (٢) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب علامة حب الله عَزَّ وَجَلَّ، رقم (٦١٦٨)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب المرء مع من أحب، رقم (٢٦٤٠)، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، بلفظ: "المرء مع من أحب". (٣) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب علامة حب الله عَزَّ وَجَلَّ، رقم (٣٦٨٨)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب المرء مع من أحب، رقم (٢٦٣٩/ ١٦٣)، عن أنس - رضي الله عنه - في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت مع من أحببت".