الدنيا، وأما خلفهم فإن الخلف هو الوراء قد يطلق بمعنى الأمام، ومنه قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)} (١) قال العلماء: معناه: أمامهم. وكقوله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧)} (٢) أي: من أمامه.
وقيل: المراد بـ {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} المعاصي التي في مستقبلهم ويخشى أن يفعلوها {وَمَا خَلْفَكُمْ} المعاصي الماضية فيجعلون المراد بما بين أيديهم وما خلفهم من الأعمال لا من عذاب الله، وقد سبق أن قلنا: إن الآية إذا كانت تحتمل المعاني المقولة فيها بدون تعارض فإنها تحمل على الجميع. وقوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥)} لعل هنا للتعليل، أي: لأجل أن يرحمهم الله عز وجل إذا قيل لهم هذا الشيء، فجمع لهم بين الترغيب والترهيب، الترغيب بقوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥)} والترهيب في قوله: {اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُم} فهؤلاء جمع لهم بين الترغيب والترهيب ومع ذلك لا يستجيبون، بل يعرضون ويستكبرون ويسخرون، ويقولون: هذا أساطير الأولين، وما أشبه ذلك مما هو معروف عن هؤلاء إذا دعوا إلى الله تعالى.
الفوائد:
في هذه الآية الكريمة من الفوائد:
١ - أن هؤلاء الكفار قد أقيمت عليهم الحجة وبلغتهم الدعوة ووعظوا، ولكن لم ينفعهم ذلك لقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ
(١) سورة الكهف، الآية: ٧٩. (٢) سورة إبراهيم، الآية: ١٧.