" عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أنزل {عَبَسَ وَتَوَلَّى} في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض عنه ويقبل على الآخر فيقول له: أترى بما أقول بأسا، فيقول: لا، فنزلت {عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى*})."(١)
قال الطبري:{عَبَسَ وَتَوَلَّى}: أي قبض وجهه تكرها وأعرض، {أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}: لأنه جاءه الأعمى، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}: وما يدريك يا محمد لعل هذا الأعمى الذي عبست في وجهه يتزكى ويتطهر من ذنوبه، {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}: وما يدريك لعل هذا الأعمى يعتبر، فينفعه الاعتبار والإتعاظ، {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}: وأما هذا الأعمى الذي جاءك يسعى، وهو يخشى الله ويتقيه، فأنت عنه تتلهى وتعرض وتتغافل، وتتشاغل عنه بغيره. {كَلَّا}: ليس الأمر كما تفعل يا محمد حيث تعبس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدى لمن استغنى، {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} إن هذه السورة والدعوة تذكرة وعظة وعبرة (٢).
وقد أوصت الآيات بوصايا جليلة تراعي حق ذوي الاحتياجات الخاصة، منها ما جاء في قوله تعالى:{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} قال الصابوني في تفسير الآية: " أي لا تفعل بعد اليوم مثل ذلك، فهذه الآيات موعظة وتبصرة للخلق، يجب أن يتعظ بها ويعمل بموجبها العقلاء {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}: أي فمن شاء من عباد الله اتعظ بالقرآن الكريم، واستفاد من إرشاداته وتوجيهاته، قال المفسرون: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا العتاب، لا يعبس في وجه فقير قط، ولا يتصدى لغني أبدا، وكان الفقراء في مجلسه أمراء"(٣).
ويستمر تكريم ابن ام مكتوم الذي حظي بمكانة عالية عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويعلو شأنه فينزل بحقه مرة أخرى قرآن يتلى الى يوم القيامة، عن البراء - رضي الله عنه - قال) لما نزلت {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أُدعو فلانا" فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف، فقال: " اكتب" {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} وخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت مكانها {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ
(١) - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن ابن بكر السيوطي، لباب النقول في أسباب النزول، بيروت، دار إحياء العلوم، ط ٣، ١٩٨٠ م، ص ٢٧٧. (٢) - انظر؛ الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج ٢٤، ص ٢١٧ - ٢٢١ .. اخرجه الترمذي، سنن الترمذي، ابواب تفسير القرآن، باب ومن سورة عبس، ج ٥، ص ٤٣٢، حديث رقم: ٣٣٣١، حكم الألباني صحيح الاسناد. (٣) - الصابوني، صفوة التفاسير، ج ٣، ص ٤٩٥.