من فني عمَّا لم يأمرِ الله به بفعل ما أمر الله به؛ فقد جاء بما أمر الله به ورسوله.
وحقيقة هذا الفناء؛ هو: تحقيق التوحيد وتكميله، وإخلاص الدين لله، وتسمية هذا فناء صحيح من الجهة اللغوية، وليس هو من المصطلحات الشرعية؛ لا في النصوص، ولا في كلام السلف، لكن الشيخ ﵀ سمى هذا المقام فناء لمناسبة الخطاب مع الصوفية الذين يعظِّمون الفناء بمفهومه عندهم، ويجعلونه أعلى مقامات الدين؛ وهو:
النوع الثاني: الفناء عن شهود السوى؛ وهو: الفناء بالله وفي الله، وهذا الفناء يذكره بعض الصوفية، وحقيقته: أن يفنى عن شهود ما سوى الله تعالى، فيغيب عن شعوره بما سوى الله حتى عن نفسه، يفنى بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن معرفته.
والضمير في قوله:(بمعبوده) يرجع إلى العبد أي: يفنى بربه، والضمير في قوله:(عن عبادته) يصلح أن يكون راجعاً للعبد أو للرب، أي: يفنى بربه عن عبادة ربه، أو عن عبادته لربه؛ لأن «المصدر» يجوز أن يضاف إلى «الفاعل» نحو: عبادةُ العبدِ لربه، وأن يضاف إلى «المفعول» نحو: عبادةُ الربِّ (١).
وهكذا بقية الجمل:(بمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن معرفته)، ومثله:(بمشهوده عن شهوده) أي: يفنى بربه عن شهود ربه، أي: عن شهوده إياه، أو شهوده الله (٢).
(١) «اللمع في العربية» ص ٣٠٧، و «أوضح المسالك» ٣/ ١٩٠. (٢) تقدم نحوه في ص ٦٢٠.