هذه الكلمة يؤتى بها للدلالة على الشروع في المقصود، وهي جملة كان من هدي النبي ﷺ استعمالها في خُطبه، فبعد حَمْدِ الله والثناء عليه يقول:«أمَّا بَعْدُ»(١).
وهذه الجملة للناس فيها كلامٌ من حيث أولُ من قالها، واختلفوا في هذا اختلافاً كبيراً، فقيل: أول من قالها: داودُ ﵇، وقيل: أولُ من قالها: سَحْبَانُ وائلٍ، الخطيبُ المشهور (٢)، وهناك أقوال أخرى، حتى فُسِّر بها فصلُ الخطاب في قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَاب (٢٠)﴾ [ص](٣) وهذا مرجوح؛ بل المراد «الفصل»: الذي يفصل بين الحق والباطل، ويفصل بين المتخاصمين.
(١) «صحيح البخاري»، باب «من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد»، الأحاديث (٩٢٢ - ٩٢٧). (٢) سَحبان بن زفر بن إياس الباهلي الوائلي، يضرب المثل ببلاغته، وخطابته، فيقال: «أبلغ من سحبان وائل»، و «أخطب من سحبان وائل»، وهو القائل: لقد علِم الحيُّ اليمانون أنني … إذا قلتُ أما بعدُ أني خطيبها توفي سنة ٥٥ هـ. «جمهرة الأمثال» ١/ ٢١٣، و «المستقصى في أمثال العرب» ١/ ٢٨ و ١٠٢، و «البداية والنهاية» ١١/ ٢٨٢. (٣) «الأوائل» لابن أبي عاصم ص ٧٧، و «تفسير الطبري» ٢٠/ ٥١، و «تفسير ابن كثير» ٧/ ٥٩، و «فتح الباري» لابن حجر ٢/ ٤٠٤.