قوله:(وطائفة ظنت … ) إلخ، هذا مثالٌ ثالث لمن ضل بسبب الاشتباه الذي يكون بين الأشياء، والطائفة هذه طائفةٌ من الفلاسفة.
قوله:(ظنت أنه إذا كانت الموجودات تشترك في الوجود؛ لزم أن يكون في الخارج عن الأذهان موجود مشترك فيه) أي: أنهم جعلوا ما في الأذهان ثابتاً في الأعيان، وسبق بيان:«أن المعاني الكلية المشتركة لا توجد إلا في الذهن، لا فيما خرج عنه من الموجودات في الخارج»(١)، وهؤلاء لم يَقْصروا هذا على الوجود المشترك؛ بل زعموا أن في الخارج - أيضاً - كليات مطلقة؛ ك (وجود مطلق)، و (حيوان مطلق)، وهكذا.
وقد سبق ذكر هذا المعنى في «مبحث الروح» في «المثل الثاني»(٢)، وأن الذين لا يصفون الروح إلا بالسلوب يقولون:«إنها لا تدرك المعاني المعينة، وإنما تدرك الأمور الكلية»؛ لأن عندهم أن المعاني الكلية موجودة في الخارج.
فهذا نوع من الضلال بسبب الاشتباه.
فالمقولة الباطلة هنا: اعتقاد أن في الخارج موجوداً مطلقاً، وكليات مطلقة، ومنشأ هذا الغلط؛ هو: أن الموجودات تشترك في مطلق الوجود، والحيوانات تشترك في مطلق الحيوانية، والأجسام تشترك في مطلق الجسمية، والناس يشتركون في مطلق الإنسانية.