ولكن هؤلاء الضُّلَّال المعطلة ليسوا من أهل العقل ولا النقل؛ بل هم من أهل القضايا المجهولات التي يظنونها ويزعمونها قضايا عقلية، كما إذا قالوا:«إن الوجود المطلق موجود في الخارج»، أو:«إن العِلم هو العالِمِ».
ومعنى قوله:(يسفسطون في العقليات) أي: يقفون من العقليات موقف أهل «السفسطة» منها؛ وهو: المكابرة والإنكار (١).
ومعنى قوله:(يقرمطون في السمعيات) أي: يفعلون في السمعيات فعل القرامطة، وهو اللعب بمعانيها وصرفها عن ظاهرها إلى معانٍ أخرى لا يحتملها اللفظ، ولا يدل عليها السياق (٢).
* * *
(١) ذكر شيخ الإسلام في «بيان تلبيس الجهمية» ٢/ ٣٣٧: أن «السفسطة»: «كلمة مُعَرَّبة، وأصلها باليونانية «سوفسقيا» أي: حكمة مموهة؛ فإن «صوفيا» باليونانية؛ هي: الحكمة، ولهذا يقولون: «فيلاسوفا» أي: محب الحكمة». وقال في «منهاج السنة» ٧/ ٤٦٤: «السفسطة في العقليات؛ هو القدح فيما علم بالحس والعقل بشُبه تعارض ذلك، فمن أراد أن يدفع العلم اليقيني المستقر في القلوب بالشبه؛ فقد سلك مسلك السفسطة؛ فإن السفسطة أنواع: أحدها: النفي والجحد والتكذيب؛ إما بالوجود أو بالعلم به. والثاني: الشك والريب. وهذه طريقة اللاأدرية الذين يقولون: «لا ندري»، فلا يثبتون ولا ينفون، لكنهم في الحقيقة قد نفوا العلم، وهو نوع من النفي؛ فعادت السفسطة إلى: جحد الحق المعلوم، أو جحد العلم به. وانظر أيضًا: «منهاج السنة»: ٢/ ٥٢٥، و «الصفدية» ص ١٢٨. (٢) تقدم أمثلة لذلك في: ص ١٣٣.