وحملوا قوله تعالى:{قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}، على أنه كلامٌ مستقلٌ بنفسه، ولا تعلُّق له بما قبله، وحينئذٍ لا يلزم أن يكون الله تعالى مسمىً باسم (الشَّيء)(١).
الشاهد: أن قوله: {قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} تفسيرٌ متصلٌ بما قبله، وهو إجابة الاستفهام في قوله:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً}، وقد أخطأ من قال إنها كلامٌ منفصلٌ عمّا قبله؛ لينفوا بذلك أن يسمى الله (شيئًا).
قال القرطبي:"ولفظ (شيء) هنا واقع موقع اسم الله تعالى، والمعنى: "الله أكبر شهادة"، أي انفراده بالربوبية، وقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة وأعظم، فهو شهيد بيني وبينكم على أنِّي قد بلَّغتكم، وصَدَقت فيما قلتُه وادعيتُه من الرسالة"(٢).
قال البغوي (٣): "باب الرد على الجهمية (٤): قال الله - عز وجل -: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨]، سمّى الله نفسه شيئا، وقال الله - عز وجل -: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً
(١) الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (١/ ٢٤٦). (٢) الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٣٩٩). (٣) هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء البغوي الشافعي، المفسر، كان إماما في الفقه، والحديث، صاحب التصانيف الكثيرة، ومنها: شرح السنة، ومعالم التنزيل، ولقِّب بمحي السنة، توفي سنة ٥١٠ هـ. يُنظر: سير أعلام النبلاء (١٩/ ٤٣٩)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص: ٥٠). (٤) الجهمية: هم أصحاب جهم بن صفوان وهو من الجبرية، وافقوا المعتزلة في نفي الصفات الأزلية، وزادوا عليهم بأشياء، منها قولهم: لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه، لأن ذلك يقضي تشبيها، والإيمان لا يتبعض أي لا ينقسم إلى: عقد، وقول، وعمل، ولا يتفاضل أهله فيه، فإيمان الأنبياء، وإيمان الأمة على نمط واحد، وغيرها من البدع والآراء المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة. يُنظر: الملل والنحل (١/ ٨٦)، ورسالة في الرد على الرافضة، للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص: ٩، وما بعدها).