قال أبو عبيد (١) : لا يجوز أن يطالب مسلم بجزية. وقال مالك: يقول الله -تعالى-: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨] ما قد مضى قبل الإسلام، من دمٍ أو مال أو شيء (٢) .
وقيل: إنه يؤخذ منه كلُّ ما كان ترتَّب عليه، وتقدَّم من حولٍ أو أحوالٍ لم يؤدها، وهو قول الشافعي، وأبي ثور (٣) .
قال الشافعي: ليس للإمام تركه؛ لأنه حقّ لجماعة المسلمين عليه. يعني: أنه صار دَيناً لهم في ذِمَّته، وهذا أرجح؛ لأن قول الله -تعالى-: {إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨] راجعٌ إلى ما كان من كفرهم وآثامهم، وما كانوا
= قال ابن قدامة (١٣/٢٢٢) : وحكى أبو الخطاب، عن القاضي: أنها تسقط بالموت، كما هو مذهب أبي حنيفة. وانظر: كتاب «الروايتين والوجهين» (٢/٣٨٤) ، «المحرر» (٢/١٨٤) ، «الإنصاف» (٤/ ٢٢٨) ، «أحكام أهل الملل» للخلال (ص ٩٦) . (١) في «الأموال» (ص ٥٩) . (٢) رواه أشهب عن مالك، ذكره ابن العربي في «أحكام القرآن» (٢/٨٥٣) وعلق عليه بقوله: «وهذا هو الصواب، لما قدمنا من عموم قوله: {إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} وقوله: «الإسلام يهدم ما قبله» » ، ونحوه في «الأحكام الصغرى» (١/٥٣٣) ، «تفسير القرطبي» (٧/٤٠٢) ، «الإمام مالك مفسراً» (ص ٢١٢) ، ثم ظفرت به مسنداً من طريق ابن وهب عن مالك نحوه عند ابن أبي حاتم في «التفسير» (٥/١٧٠٠ رقم ٩٠٦٦، ٩٠٦٧) . (٣) انظر: «الأم» (٤/١٨٣- ط. دار المعرفة) ، «المهذب» (٢/٢٥٢) ، «حلية العلماء» (٧/ ٧٠٢) ، «روضة الطالبين» (١٠/٣١٢) ، «التنبيه في الفقه الشافعي» (ص ٢٣٨) ، «مغني المحتاج» (٤/ ٢٤٩) ، «الإقناع» لابن المنذر (٢/٤٧٢) ، وفيه: «وليس على من أسلم قبل أن يحول الحول جزية» . فمعنى كلامه أن عليه الجزية إن أسلم بعد الحول، كما هو مذهب الشافعية. ونقل الطبري في «اختلاف الفقهاء» (٢١٢) عن أبي ثور: أن الذميَّ إذا أسلم أثناء الحول لم تجب عليه الجزية، أما إن أسلم بعد الحول، فلا تسقط. وانظر: «المغني» (٨/٥١١- ط. مكتبة الجمهورية العربية) ، أو (١٣/٢٢١- ط. دار هجر) ، «فقه الإمام أبي ثور» (ص ٧٩٦) .