ثانيًا: أن الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم كان جالسا ذاتَ يومٍ مع أصحابه، فَدَخَلَ رَجُلٌ بعدَ أن انتهتِ الصَّلاةُ، فقال:«مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟ »، فقامَ أَحَدُ القومِ فَصلَّى مع الرَّجُلِ (١٧). وهذا نص صريح في إعادة الجماعة بعد الجماعة الراتبة، حيث تطلع النبي عليه الصلاة والسلام إلى من يصلي مع هذا الرجل، وقول من قال: إن هذا صدقة، وإذا صلى اثنان في المسجد وقد فاتتهما الصلاة فصلاة كل واحد منهما واجبة؟ نقول: إذا كان يؤمر بالصدقة، ويؤمر من قد صلى أن يقوم فيصلي مع هذا الرجل، فكيف لا يؤمر من لم يصل أن يصلي مع هذا الرجل؟
إذن فالقول الصواب بلا شك أن صلاة الجماعة في هذه الحال مشروعة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وبعموم حديث أبي بن كعب:«صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ».
فصارت هذه المسألة لها ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يكون هذا المسجد ليس له إمام راتب، وإنما هو مسجد شارع سوق أو مسجد خط سيارات، كل من جاء دخل وصلى، فإن إعادة الجماعة في هذا المسجد لا تكره بالاتفاق.
الصورة الثانية: عكس هذه المسألة، وهي أن تعاد الجماعة ثانية على وجه الاستمرار، على وجه راتب، فهذه أقل أحوالها أن تكون مكروهة.
الصورة الثالثة: أن تكون عارضة في غير مساجد الطرقات والأسواق، فهذه محل الخلاف، والصحيح أنها سنة، بل لو قيل بالوجوب لكان أقرب.
وقول المؤلف:(في غير مسجدي مكة والمدينة) يعني: في غير المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فتكره إعادة الجماعة فيهما، قالوا: لئلا يتوانى الناس عن حضور الصلاة مع الإمام الراتب.