للناس، كما وَرِثَ المفتي عنه - صلى الله عليه وسلم - الفُتْيا.
وكما ظهَرَ الفرقُ لنا بين المفتي والراوي، فكذلك يكون الفرقُ بين تبليغه - صلى الله عليه وسلم - عن رَبِّه وبين فتياه في الدين. والفرقُ هو الفرقُ بعينه، فلا يَلْزَمُ من الفُتيا: الروايةُ، ولا مِن الرواية: الفُتيا، من حيث هما روايةٌ وفُتيا.
وأما تصرُّفُه - صلى الله عليه وسلم - بالحُكم فهو مغايرٌ للرسالة والفُتيا. لأنَّ الفُتيا والرسالة تبليغٌ محضٌ واتِّباعٌ صِرْف، والحكمُ إِنشاءٌ وإِلزامٌ من قِبلَهِ - صلى الله عليه وسلم - بحسب ما يَسْنَح من الأسباب والحِجَاج، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنكم تختصمون إِلي، ولعلَّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحُجَّتِه من بعض؟ فمن قَضَيتُ له بشيء من حق أخيه فلا يأخذْه إِنما أقتطع له قطعةً من النار! "(١).
(١) رواه البخاري في ستة مواضع من "صحيحه" عن أم سَلَمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، في كتاب المظالم في باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلم ٥: ٧٧ بشرح "فتح الباري"، وفي كتاب الشهادات في باب من أقام البينة بعد اليمين ٥: ٢١٢، وفي كتاب الحِيَل في باب إذا غصَبَ جارية فزَعَم أنها ماتت ١٢: ٢٩٩، وفي كتاب الأحكام في باب موعظة الإِمام للخصوم ١٣٩:١٣، وفي باب من قُضي له بحق أخيه فلا يأخذه ١٣: ١٥١، وهنا استوفى الحافظ ابن حجر شرحَ هذا الحديث، وفي باب القضاء في كثير المال وقليله ١٣: ١٥٦. ورواه عنها أيضًا مسلم في "صحيحه" في كتاب الأقضية في باب بيان أن حكم الحاكم لا يُغَيِّرُ الباطنَ ١٢: ٤ - ٧ من "شرح صحيح مسلم" للنووي. وأبو داود أيضًا في الأقضية في باب في قضاء القاضي إذا أخطأ ٣: ٣٠١ - ٣٠٢. والنسائي في كتاب آداب القُضاة في باب الحكم بالظاهر ٨: ٢٣٣، وفي باب ما يقطع القَضاء ٨: ٢٤٧. والترمذي في أبواب الأحكام في باب ما جاء في التشديد على من يُقضَى له بشيء ليس له أن يأخذه ٨٣:٦. وابن ماجه في كتاب الأحكام في باب قَضِيَّة الحاكم لا تُحِلُّ حرامًا ولا تُحرِّم حلالاً ٢: ٧٧٧. =