ومما يُستأنس به في تقوية هذا المذهب: أن ابن مسعود رضي الله عنه لما قرأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة النساء، ووصل إلى قوله:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا}[النساء: ٤١]، أمره صلّى الله عليه وسلّم أن يقطع القراءة على هذا الموضع، فقال:«حسبك»(٢).
ولو كان تتبع المعاني مما يحرص عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لما أمر ابن مسعود أن يقطع قبل تمام المعنى؛ لأن قوله تعالى بعدها:{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء: ٤٢] متعلق بها. وبهذه الآية ينتهي المقطع، ويكون الوقف تامّاً؛ لأن قوله تعالى بعدها:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ...} [النساء: ٤٣] نداءٌ للمؤمنين، والنداء يدل على انقطاع الجملة عما قبلها، والابتداء بأمر جديد، واللهُ أعلمُ.
• * *
(١) أخرجه أحمد (٦:٣٠٢)؛ وأبو داود رقم (٤٠٠١)؛ والترمذي برقم (٢٩٢٧) وقال: وليس إسناده بمتصل. وصحح الدارقطني إسناده في سننه (١:٣١٢). (٢) أخرجه البخاري برقم (٥٠٥٠)، انظر: فتح الباري، ط. الريان (٨:٩٨ - ٩٩).