ومثله:"ضَرَبَ الفَحْلُ الناقةَ ضِرابًا"، كما قالوا:"نَكَحَها نِكاحًا"، والقياس "ضَرْبًا"، ولا يقولونه، كما لا يقولون:"نَكْحًا"؛ فأمّا "الكِذاب" بالتشديد فهو مصدر "كَذَّبَ""يُكَذبُ". قال الله تعالى:{وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا}(١)؛ وقد جاء على "فِعْلَةَ"، قالوا:"حَمَيتُ المريضَ حِمْيَة"، وقالوا:"حَمَيْتُ المكان حِمايَة"، وقالوا:"دَرَيْتُه دِرْيَة" مثلَ "حميته حِمْيَة"، و"دِرايَة" مثل "حِمايَةٍ"؛ ومنها ما جاء على "فِعْلانَ"، قالوا:"حَرَمه حِرْمانًا"، و"وَجَدَ الشيء يَجِدُه وِجْدانًا"، و"عَرَفْته عِرْفانًا"؛ وقد جاء أيضًا على "فُعْلان" مضمومَ الفاء، قالوا:"غَفَرَ الله ذَنْبَه غُفْرانَا"؛ وقد جاء على "فَعْلانَ" بفتح الفاء، قالوا:"لَوَيْته بدَيْنه لَيّانًا". قال الشاعر [من الطويل]:
قال أبو العبّاس:"فَعْلانُ" بفتح الفاء لا يكون مصدرًا، إنما يجيء على "فِعْلانَ"، و"فُعْلانَ"، وهذا كثير في المصادر، نحو:"العِرْفان"، و"الوِجْدان"، فكان أصله "لِيَّانًا" أو "لُيّانًا"، فاستثقلوا الكسرة والضمّة مع الياء المشدّدة، فعدلوا إلى الفتحة. وقد حكى أبو زيد عن بعض العرب:"لويته لِيّانًا" بالكسر، وهو شاهدٌ لِما قلناه. وقالوا:"هَدَيْته للدين هُدى"؛ وأما قولهم:"وَلَجْته وُلُوجًا"، فاصله:"ولجتُ فيه"، فهو غير متعدّ، فلذلك جاء مصدره على "فُعُول".
وأما الضرب الثاني: وهو"فَعَلَ"، "يَفْعُلُ" بضمْ العين، فهو قريب من الأوَل في الاختلاف، من ذلك ما جاء على "فَعْلٍ"، وهو الأصل على ما تقدّم، قالوا:"قَتَلَه يَقْتُلُه قَتْلًا"، و"خَلَقَ يَخلُقُ خَلقًا"؛ وعلى "فَعَل"، قالوا:"جَلَبَ يَجْلُبُ جَلَبا"، و"طَلَبَ يَطْلُبُ طَلَبَا"؛ وعلى "فَعِل" بكسر العين، قالوا:"خَنَقَه يَخْنُقُه خَنِقًا"؛ وعلى "فُعْل" بضم الفاء وسكون العين، قالوا:"كَفَرَ يَكْفُرُ كُفْرًا"، و"شَكَرَ يَشْكُرُ شُكْرًا"؛ وعلى فِعْلٍ، نحو:
= الشرح: قلت له صدقًا مرّات، وكذبًا مرّات، وقد ينفع الإنسان أن يكذب أحيانًا. الإعراب: "فصدقته": الفاء: بحسب ما قبلها. "صدقته": فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. "وكذبته": الواو: حرف عطف، "كذبته": يعرب إعراب "صدقته". "والمرء": الواو: استئنافية، و"المرء": مبتدأ مرفوع بالضمة. "ينفعه": فعل مضارع مرفوع بالضمة، والهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. "كذابه": فاعل مرفوع بالضمة، وهو مضاف، والهاء: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. وجملة "فصدقته": بحسب الفاء، وعطف عليها جملة "كذبته". وجملة "المرء ينفعه": استئنافية لا محل لها من الإعراب، وجملة "ينفعه": في محل رفع خبر. والشاهد فيه قوله: "كذابه" مصدرًا للفعل كَذَبَ يكذِبُ. (١) النبأ: ٢٨. (٢) تقدم بالرقم ٥٣٣.