حتى (١) كنا في آخر الليل وقعنا وَقْعَة، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها. فما أيقظنا إلا حَرُّ الشمس، وكان أول من استيقظ فلان، ثم فلانٌ ثم فلانٌ -يُسَمِّيهم أبو رجاء فنسي عوف- ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو الذي يستيقظ؛ لأنا لا ندري ما يَحْدُثُ له في نومه، فلما استيقظ عمر، ورأى ما أصاب الناس -وكان رجلًا جَلِيدًا، فكبَّر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يُكبر، ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ لصوته النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما استيقظ شَكَوْنا إليه الذي أصابهم فقال:"لا ضَيْرَ -أو لا يضير- ارتحلوا"(٢)، فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوَضُوءِ فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس.
فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزلٍ لم يُصَلِّ مع الناس. قال:"ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ " قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال:"عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك".
ثم سار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاشتكى إليه الناس من العطش فنزل فدعا فلانًا -كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف- ودعا عليًّا -رضي اللَّه عنه- فقال:"اذهبا فابتغيا الماء"، فانطلقا فلقيا (٣) امرأةً بين مَزَادَتَيْنِ -أو سَطِيحَتَيْنِ- من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونَفَرُناَ خُلُوفٌ قالا لها: انطلقي إذًا. قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالت: الذي يقال
(١) في "صحيح البخاري": "حتى إذا كنا". (٢) في "صحيح البخاري": "ارتحلو، فارتحل، فسار. . . ". (٣) في "صحيح البخاري": "فتلقَّيا".