وقد عرف الأعداء أن فرصتهم لتحقيق مطامعهم وآمالهم الدموية لا تواتيهم إلاّ في جوٍّ تخيم عليه كآبة الفرقة، وتتطاول فيه ألسنة لهيب التصارع، لذلك دأبوا على مواصلة إمداد نيران النزاع بوقود الفتن. وإذا كانت محاولات التأليف بين الفرقاء قد نشطت من قديم فهي الأخرى لم تسلم من كيد الأعداء؛ إذ نجد أن مسألة التقريب والتأليف والوحدة استُغلت لإعطاء الباطل صفة الشرعية.. ومنح الدخيل من الأفكار صفة الأصيل، لتبقى بذور الفتنة وأُسس الخلاف بين الأُمة لتشتعل في أي لحظة يراد لها.
ولا شك أن الإسلام قد رسم للأُمة طريق وحدتها، قال تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ... )(١) ، فهو اعتصام بحبل الله واجتماع على هدى الله ... وما حصلت الفرقة إلا بالبعد عن هذا "المنهج".
وقد بيّن القرآن الكريم المنهج الذي يلجأ إليه المسلمون عند التنازع والاختلاف، قال تعالى:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)(٢) ، (قال العلماء: إلى كتاب الله وإلى نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، فإن قبض فإلى سنّته)(٣) .