وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾ [النساء: ١٠٨] فَذَكَرَ الْقَوْلَ ثُمَّ سَمَّاهُ عَمَلًا، ثُمَّ قَالَ ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس/ ٤١] هَلْ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَهُمْ إِلَّا دُعَاؤُهُ إِيَّاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَرَدُّهُمْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ بِالتَّكْذِيبِ وَقَدْ أَسْمَاهَا هَاهُنَا عَمَلًا؟ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ ثَالِثٍ: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ (*) إِلَى ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ [الصافات: ٦١] فَهَلْ يَكُونُ التَّصْدِيقُ إِلَّا بِالْقَوْلِ وَقَدْ جَعَلَ صَاحِبَهَا هَاهُنَا عَامِلًا؟ ثُمَّ قَالَ ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ [سبأ/ ١٣] فَأَكْثَرَ مَا يَعْرِفُ النَّاسُ مِنَ الشُّكْرِ أَنَّهُ الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُكَافَأَةُ قَدْ تُدْعَى شُكْرًا.
فَكُلُّ هَذَا الَّذِي تَأَوَّلْنَا إِنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَمَا وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ يَتَأَوَّلُونَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ، إِلَّا أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُسْتَفِيضُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ غَيْرَ الْمَدْفُوعِ، فَتَسْمِيَتُهُمُ (٥١) الْكَلَامَ عَمَلًا، مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لَقَدْ عَمِلَ فُلَانٌ الْيَوْمَ عَمَلًا كَثِيرًا، إِذَا نَطَقَ بِحَقٍّ وَأَقَامَ الشَّهَادَةَ، وَنَحْوَ هَذَا. وَكَذَلِكَ إِنْ أَسْمَعَ رَجُلٌ صَاحِبَهُ مَكْرُوهًا، قِيلَ: قَدْ عَمِلَ بِهِ (٥٢) الْفَاقِرَةَ، وَفَعَلَ بِهِ الْأَفَاعِيلَ، وَنَحْوَهُ مِنَ الْقَوْلِ، فَسَمُّوهُ عَمَلًا، وَهُوَ لَمْ يَزِدْهُ عَلَى الْمَنْطِقِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْمَأْثُورُ: "مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَنْفَعُهُ" (٥٣).
فَوَجَدْنَا تَأْوِيلَ الْقُرْآنِ، وَآثَارَ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَا مَضَتْ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، وَصِحَّةُ النَّظَرِ، كُلُّهَا تُصَدِّقُ أَهْلَ السُّنَّةِ فِي الْإِيمَانِ فَيَبْقَى الْقَوْلُ الْآخَرُ، فَأَيُّ شَيْءٍ يُتَّبَعُ
(*) وهي: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.(٥١) كذا الأصل، ولا يخلو من شيء.(٥٢) الأصل "بها".(٥٣) لم أقف عليه، وأغلب الظن أنه موقوف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute