وهذه الاستطاعة متعلِّقةٌ بالأوامر الكونيَّة الخلقيَّة التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقَّق وجود الفعل الكونيِّ (١).
وقد قرر الأئمة المحققون من أهل السنة نوعي الاستطاعة وذكروا الفرق بينهما:
قال الإمام الطحاويُّ:«والاستطاعة التي يجب بها الفعل -من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به-؛ تكون مع الفعل. وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع، والتمكين وسلامة الآلات؛ فهي قبل الفعل، وبها يتعلَّق الخطاب»(٢).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة بعد نقله الأقوال في الاستطاعة:«والصواب الذي دلَّ عليه الكتاب والسنَّة: أن الاستطاعة متقدِّمةٌ على الفعل ومقارنةٌ له أيضًا، وتقارنه أيضًا استطاعةٌ أخرى لا تصلح لغيره. فالاستطاعة «نوعان»: متقدِّمةٌ صالحةٌ للضدَّين، ومقارنةٌ لا تكون إلا مع الفعل. فتلك هي المصحِّحة للفعل المجوِّزة له، وهذه هي الموجِبة للفعل المحقِّقة له» (٣).
وذكر ﵀ في موطن آخر- أن هذا هو قول المحقِّقين من أهل السنَّة وغيرهم، قال: «وأما الذي عليه المحقِّقون من أئمَّة الفقه والحديث والكلام
(١) انظر: المصدرين السابقين. (٢) الطحاوية مع شرحها (ص: ٤٣٣). (٣) مجموع الفتاوى (٨/ ٣٧٢)، وانظر: الفتاوى الكبرى (١/ ١٤٧).