الاعتقال، والقيود الثقال، وأضرعهم الإسار وجلّلهم الإنكسار، فجدّلوهم [١] في مصرع واحد، وتركوهم عبرة للرّائي والمشاهد، وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواجد [٢] ، وترة الماجد [٣] ، فكبسناها كبسا، وفجأناها بإلهام من لا يضلّ ولا ينسى وصبّحتها الخيل، ثم تلاحق الرّجل لمّا جنّ الليل، وحاق بها الويل، فأبيح منها الذّمار [٤] ، وأخذها الدّمار، ومحقت [٥] من مصانعها البيض الأهلّة وخسفت الأقمار، وشفيت من دماء أهلها الضّلوع الحرار [٦] ، وسلّطت على هياكلها النّار، واستولى على الآلاف العديدة من سبيها، وانتهى إلى إشبيلية الثّكلى المغار [٧] فجلّل وجوه من بها من كبار النّصرانية الصّغار [٨] ، واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقله [٩] الأوقار [١٠] .
وعدنا والأرض تموج سبيا، لم نترك بعفرين شبلا [١١] ولا بوجرة ظبيا [١٢] ، والعقائل [١٣] حسرى، والعيون يبهرها الصّنع الأسرى [١٤] وصبح السّرى قد حمد من بعد المسرى [١٥] ، فسبحان الّذي أسرى [١٦] ، ولسان الحميّة ينادي، في تلك الكنائس المخرّبة والنّوادي: يا لثارات الأسرى!
[١] فجدلوهم: صرعوهم. [٢] الثكل: فقد المرأة ولدها، وفقد الرجل ولده أيضا، والواجد: الغضبان. [٣] الترة: الذحل والثأر. والماجد: الكريم، ومن له آباء متقدمون في الشرف. [٤] الذمار: ما وراء الرجل مما يحق له ان يحميه. والدمار (بالمهملة) : الهلاك. [٥] المحق: النقصان وذهاب البركة. لسان العرب (محق) . [٦] الضلوع الحرار: العطشى. [٧] المغار: مصدر ميمي بمعنى الإغارة. [٨] جلل وجوههم: عم وجوههم. والصغار: الذل. [٩] أقل الشيء: أطاق حمله. [١٠] الأوقار: جمع وقر، وهو الجمل. وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار. [١١] عفرين بلد تكثر فيه الأسود. والشبل: ولد الأسود. [١٢] وجرة: فلاة بوسط نجد، لا تخلو من شجر، ومياه، ومرعى. والوحش فيها كثير. (تاج- وجر) . [١٣] جمع عقيلة، وهي المرأة الكريمة، النفيسة. [١٤] الصنع الأسرى: الأشراف، والأرفع. [١٥] ينظر الى المثل: «عند الصباح يحمد القوم السري» ، الّذي يضرب للرجل يحتمل الشقة رجاء الراحة. انظر الميدان ٢/ ٣٠٤. [١٦] اقتباس من الآية ١ من سورة الإسراء. وأسرى: سار ليلا.