وهذا لا خلاف فيه، وأما غسله فاختلف الناس فيه. فأكثر الخلق على أنه واجب وليس فيه أثر (١) وإنما فيه أفعال غسل النبي، - صلى الله عليه وسلم -، وغُسِّل هو أيضاً مع طهارته، وهذا يدل على فرضيته (٢)، ولم يرد بلفظ الأمر إلا في حديث واحد هو قول النبي، - صلى الله عليه وسلم -، للنسوة اللاتي غسَّلنَ ابنته (إِغْسِلْنَهَا ثَلاثاً أوْ (٣) خَمْساً) الحديث.
قال علماؤنا: غسل الميت عبادة ليس لنجاسته، والدليل عليه قول النبي، - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ"(٤) فذَكر الصفة في الحكم، وذِكر الصفة في الحكم تعليل كأنه قال لا ينجس لِإيمانه (٥).
قال القاضي (٦): الشديد (٧) لو لم ينجس بالموت لما كان ما يبين عنه من أعضائه في حال الحياة نجساً، قلنا: ليس للأبعاض حكم الجملة في حقيقة ولا شريعة فهذا اعتبار فاسد.
واختلف علماؤنا هل غسله للنظافة أو للعبادة- (٨)، والذي عندي أنه تعبُّد ونظافة، كالعدة عبادة وبراءة للرحم، وإزالة النجس (٩) عبادة ونظافة، ولذلك يسرَّح رأسه تسريحاً خفيفاً، خِلافاً لأبى حنيفة (١٠) , لأن في تسريحه وصبِّ الماء عليه زيادة في النظافة، وكلما حقّق المقصود فهو مشروع، ويمضمض خلافاً لأبي حنيفة حين قال لا فائدة في مضمضته
(١) في (ك) و (م) أمر. (٢) قال الحافظ: الجمهور على وجوبه .. وقد توارد به القول والعمل وغسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه. فتح الباري ٣/ ١٢٦. (٣) متفق عليه. البخاري في الجنائز باب غسل الميت ووضوئه ٢/ ٩٣، ومسلم في الجنائز باب غسل الميت ٢/ ٦٤٦، وأبو داود ٣/ ٥٠٣، والترمذي ٣/ ٣١٥، والنسائي ٤/ ٢٨، وابن ماجه ١/ ٤٦٨، والبغوي في شرح السنة ٥/ ٣٠٤ كلهم عن أم عطية الأنصارية. (٤) متفق عليه. البخاري في الغسل باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس ١/ ٧٩، ومسلم في الحيض باب الدليل على أن المسلم لا ينجس. انظر مسلم بشرح النووي ٤/ ٦٦، وأبوداود ١/ ٥٩، والترمذي ١/ ٢٠٧ - ٢٠٨، والنسائي ١/ ٤٥ - ١٤٦، وابن ماجه ١/ ١٧٨ كلهم عن أبي هريرة. (٥) انظر هذا المبحث في شرح التنقيح ص ٣٨٩ - ٣٩٠. (٦) القاضي هو الشارح نفسه. (٧) هذه العبارة في كل النسخ الشديد وأغلب الظن عندي أنها الشهيد. (٨) قال ابن رشد: قيل إنه فرض على الكفاية، وقيل سنة على الكفاية، والقولان كلاهما في المذهب, بداية المجتهد ١/ ٢٢٦. (٩) في (م) النجاسة وفي (ك) النجاسات. (١٠) انظر شرح فتح القدير لابن الهمام ١/ ٤٥١.