وَنَزَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ مِنَ الْحِصْنِ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَشِيرَتِهِ مِنْ رُؤَسَاءِ بَنِي عَمِّهِ، مَعَ أَهَالِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلادِهِمْ، فَقَالَ زِيَادٌ: (يَا أَشْعَثُ، أَلَسْتَ إِنَّمَا سَأَلْتَنِي الأَمَانَ لِعَشَرَةٍ مِنْ أَهَالِيهِمْ وَأَوْلادِهِمْ، وَبِهَذَا كَتَبْتُ لَكَ الْكِتَابَ) ، فَقَالَ الأشعث:
[٤٠ ب] (بَلَى، قَدْ كَانَ ذَلِكَ) ، قَالَ زِيَادٌ: / (فَالْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَعْمَاكَ أَنْ تَأْخُذَ الأَمَانَ لِنَفْسِكَ، وَاللَّهِ لا أَرَى فِي الْكِتَابِ لَكَ اسْمًا، وَاللَّهِ لأَقْتُلَنَّكَ) ، فَقَالَ الأَشْعَثُ: (يَا أَقَلَّ الْخَلْقِ عَقْلا، أَتَرَى أَنَّهُ بَلَغَ مِنِّي الْجَهْلُ أَنْ أَطْلُبَ الأَمَانَ لِغَيْرِي وَأَتْرُكَهُ لِنَفْسِي، أَمَا إِنِّي لَوْ كُنْتُ أَخَافُ غَدْرَكَ لَبَدَأْتُ بِنَفْسِي فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَلَكِنَّنِي أَنَا كُنْتُ الطَّالِبَ لِقَوْمِي الأَمَانَ فَلَمْ أَكُنْ بِالَّذِي أَطْلُبُ وَأُثْبِتُ نَفْسِي مع غيري، وأما قولك أنك تقتلني، فو الله لَئِنْ قَتَلْتَنِي لَتَجْلِبَنَّ [١] إِلَيْكَ وَعَلَى صَاحِبِكَ الْيَمَنَ بِأَجْمَعِهَا، وَخَيْلَهَا وَرَجْلَهَا، فَيُنْسِيَنَّكَ مَا قَدْ مَضَى) ، ثُمَّ أَنْشَأَ الأَشْعَثُ يَقُولُ:
(مِنَ الْكَامِلِ)
١- مَا كُنْتُ أَنْسَى [٢] فِي أَمَانِكَ فَاعْلَمَنْ ... نَفْسِي وَأَثْبِتْ غَيْرَهَا يَا خَاسِرْ
٢- لَوْ خِفْتُ غَدْرَكَ يَا زِيَادُ سَفَاهَةً ... مَا كَانَ غَيْرِي فِي الْكِتَابِ الْعَاشِرْ
٣- لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنْ سَتَفْعَلَ مَا أَرَى ... لَهَوَى بِرَأْسِكَ مِشْرَفِيٌّ بَاتِرْ
٤- بَلْ أَنْتَ وَيْلَكَ يَا زِيَادُ مُلَعَّنٌ ... رَثُّ الأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ غَادِرْ
٥- كَمْ مَرَّةٍ مِنِّي فَرَرْتَ وَإِنَّنِي ... لَعَلَى حِصَارِكَ لَوْ أَرَدْتُ لَقَادِرْ
٦- حَتَّى إِذَا ظَفِرَتْ يَدَاكَ حَصَرْتَنِي ... تَرِبَتْ يَدَاكَ أَلا فَبِئْسَ الظَّافِرْ
٧- إِنِّي لأَصْبِرُ لِلْحُكُومَةِ مِنْ أَبِي ... بَكْرٍ فَيَنْظُرُ لِي فَنِعْمَ النَّاظِرْ
قَالَ زِيَادٌ: (إِنِّي وَاللَّهِ لأَرْجُو أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِضَرْبِ عُنُقِكَ، فَإِنَّهُ أَهْلٌ لِذَلِكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ) . فَقَالَ الأَشْعَثُ: (وَاللَّهِ يَا زِيَادُ، لَئِنْ يَأْكُلُنِي الأَسَدُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَنِي الْكَلْبُ، يَعْنِي بِالْكَلْبِ هُوَ، وَلَكِنْ كَيْفَ أَنْتَ يَا زِيَادُ مِنْ تِلْكَ الضَّرَبَاتِ الَّتِي نَالَتْكَ مني يوم بارزتني) .
[١] أجلبوا عليه: إذ تجمعوا وتألبوا، وأجلبوا عليه: يعينون عليه، وأجلب عليه: توعده بشر وجمّع الجمع عليه. (اللسان: جلب) .[٢] في الأصل: (آتيك) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute