وَالشَّرْطُ إنَّمَا يَثْبُتُ لَفْظًا أَوْ عُرْفًا، فَفِي الْبَيْعِ دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِسَلِيمٍ مِنْ الْعُيُوبِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ لَمْ يَرْضَ بِمَنْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا.
وَالْعَيْبُ الَّذِي يَمْنَعُ كَمَالَ الْوَطْءِ لَا أَصْلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا مَا أَمْكَنَ مَعَهُ الْوَطْءُ وَكَمَالُهُ فَلَا تَنْضَبِطُ فِيهِ١ أَغْرَاضُ النَّاسِ، وَالشَّارِعُ قَدْ أَبَاحَ النَّظَرَ بَلْ أَحَبَّهُ٢ إلَى الْمَخْطُوبَةِ، وَقَالَ: "فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا" ٣ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرَهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلِّلْ الرُّؤْيَةَ بِأَنَّهُ يَصِحُّ مَعَهَا النِّكَاحُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَجِبُ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِدُونِهَا. وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ أَنْ يَصِفُوا الْمَرْأَةَ الْمَنْكُوحَةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُهَا بِلَا رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ، وَيَلْزَمُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، قَالَ: وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالْأَمْوَالِ أَنَّ النِّسَاءُ يَرْضَى بِهِنَّ فِي الْعَادَةِ فِي الصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْأَمْوَالَ لَا يَرْضَى بِهَا عَلَى الصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ إذْ الْمَقْصُودُ بِهَا التَّمَوُّلُ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْمُصَاهَرَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، فَهَذَا فَرْقٌ شَرْعِيٌّ مَعْقُولٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ.
أَمَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ لِاشْتِرَاطِهِ صِفَةً فَبَانَتْ بخلافها وبالعكس،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١ في الأصل: "به".٢ في الأًصل: "أوجبه".٣ أخرجه أحمد في "المسند" "١٨١٥٤"، من حديث المغيرة بن شعبة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute