وأما الصورة الثالثة فالمعنى مختلف، لأن المخلوق إنما يكون ظالمًا للعامل إذا استوفى منه المنفعة ثم هضمه أجره، فالأمر بينهما معاوضة؛ عمل مقابل الأجرة، وأما بالنسبة لله ﷿ فالأمر مختلف، لأن إثابة المطيع فضل منه ﷾ وإحسان وليس هو من قبيل المعاوضة، لأن الله ﷾ غني عن العباد وأعمالهم، فلو أطاعوه كلهم أو عصوه كلهم لم ينقص ذلك من ملكه شيئًا ولم يزد.
وقد أخبر النبي ﷺ بأن الأعمال ليست عوضًا لدخول الجنة، كما في حديث أبي هريرة ﵁ أنه ﷺ قال:(لن ينجي أحد منكم عمله)، قال رجل: ولا إياك يا رسول الله، قال:(ولا إياي، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، ولكن سددوا)(١).
وأيضا فالله ﷾ هو الذي أقدر العامل عل العمل ووفقه له ودفع عنه موانعه، ثم مَنَّ عليه بعد ذلك بأن حفظ له العمل من الحبوط، فالفضل له ﷾ أولًا وآخرًا.
والحاصل أن الله ﷿ يقدر على الظلم، إلا أنه ﷾ لكمال عدله وإحسانه لا يفعله، والله أعلم.
(١) رواه البخاري: كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل (٨/ ٩٨) ح (٦٤٦٣)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى (٤/ ٢١٦٩) ح (٢٨١٦). ورواه كذلك البخاري في الموضع السابق (٨/ ٩٨) ح (٦٤٦٤)، ومسلم في الموضع السابق كذلك (٤/ ٢١٧١) ح (٢٨١٨) من حديث عائشة ﵂. ورواه مسلم أيضًا في الموضع السابق (٤/ ٢١٧٠) ح (٢٨١٧)، من حديث جابر ﵁.