والري معلوم بالعقل والنقل، وكذلك كون الطاعة سبباً للسعادة ونيل الدرجات، وأما كون التوسل بالأخيار سبباً لقضاء الحاجات فلا يدل عليه دليل عقلي أو نقلي.
و (الثاني) : أن الكلام في مشروعية التوسل لا في كونه سبباً لقضاء الحاجات، ولا ملازمة بين الأمرين، فرب سبب في الدنيا وبال ونكال في الآخرة.
قوله: فعليك باتباع الجمهور والسواد الأعظم.
أقول: فيه نظر من وجوه١:
١ إن في كل وجه من الوجوه الثلاثة التي رد بها المصنف على هذه الجملة نظراً ظاهراً، والجملة في نفسها بمعنى الأحاديث الصحيحة الواردة في الأمر باتباع الجماعة وهي معروفة مشهورة، ولكن المراد بالجماعة فيها جماعة الصحابة والسواد الأعظم منهم فيما كانوا عليه من أمر الدين الذي تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم دون من شذ من أفرادهم باجتهاده الخاص، وأما الجمهور والسواد الأعظم الآن وهم الذين يعنيهم دحلان، فقد فشت فيهم البدع والمنكرات، فلا عبرة بكثرتهم ولا بجمهورهم، بل بمتبعي جماعة السلف منهم. أما الوجه الأول: مما أورد المصنف فلا يرد على الأحاديث الصحيحة في اتباع الجماعة، ولا ينافي ما تدل عليه من كون جمهور الصحابة على حق في أمر الدين، فإن ما عرض لهم من الذهول والاضطراب عند موت الرسول صلى الله عليه وسلم من العوارض البشرية لا من العقائد ولا السنن العملية المتبعة، وقد انتهى هذا العارض البشري باتباع الصديق فيما ذكرهم به من قول الله عز وجل، وإنما العبرة في الأعمال، والأحوال بخواتيمها لا بمباديها، وبهذا ثبت أنهم رضي الله عنهم كانوا على هدى فيما جروا عليه من العمل في هذه المصيبة الكبرى. وأما الوجه الثاني: فقد أخطأ المنصف في استدلاله بالآيات التي ذكرها على قلة رشد المؤمنين، فالآيات ليست فيهم، وأما الوجه الثالث فموضوعه مخالفة بعض المجتهدين للجمهور في بعض المسائل الاجتهادية، فمن كان من أهل النظر والاجتهاد في أمثال هذه المسائل فعليه أن يعمل بما أداه إليه اجتهاده فيها، ومن لم يكن عنده من العلم إلا أن جمهور علماء المسلمين رأوا في هذه المسألة كذا وأن فردا منهم خالفهم فرأى فيها غير رأيهم، ولم يكن عنده قدرة على الترجيح، فالأولى له أن يتبع الجمهور فيها، وكبته محمد رشيد رضا (ثم رأيت له فيما سيأتي ما يقرب منه) .