وفي هذه الآية الكريمة نلحظ معنى التعليل وبيان السبب الذي من أجله طلب زكريا - عليه السلام - من ربِّه أنْ يهبَ له الولد؛ فهو لم يُرِدْ أنْ يشترط على ربِّه إنْ وهبتني ولداً ورثني؛ فمعلوم أنَّ الأولاد ترث آباءها،كما لم يُرِدْ - أيضاً - أنْ يصفه لمجرد الوصف في حدِّ ذاته، وإلا لوصفه بأوصافٍ أخرى حسنة أفضل من الوراثة يتمنَّاها كلُّ والد في ولده، وإنَّما حدّد فعلاً معيناً ينبئ عن الغرض الذي من أجله طلب الولد، فهو يُريد ولداً ليرث عنه العلم والحكمة فكأنَّه قال: فهب لي من لدنك وليّاً ليرثني؛ فالتعليل وبيان السبب واضح في هذه الآية.
فإذا اطمأننا إلى معنى التعليل فتسويغ الرفع يسير؛ فعندما سقطت اللام ارتفع الفعل، قال الحافظ ابن كثير:" سأل الله ولداً يكون نبيّاً بعده، ليسوسهم بنبوَّته"(١٣٣) ، فوجود لام التعليل " ليسوسهم " يؤكد معنى التعليل.
ومثله في الدلالة على معنى التعليل قوله تعالى: ? وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّيِ لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ? (١٣٤) ، أي: أرسلْه معي معيناً ليصدِّقني، ويحتمل الحال والاستئناف أيضاً (١٣٥) .
ومثله في القرآن كثيرٌ (١٣٦) ممَّا يترجَّح فيه معنًى على المعاني الأخرى، يحتاج إلى دراسةٍ أعمق لمعاني القرآن الكريم، فالدراسات حول القرآن الكريم لا ينضب معينها ولا يأسن.