شاع وذاع على لسان كثير من السلف أن اختلاف الأمة في الفروع هو ضرب من ضروب الرحمة، فروى عن القاسم بن محمد (١) قوله: ((كان اختلاف أصحاب رسول الله (رحمة)) (٢) وعن عمر بن عبد العزيز (٣) : ((ما يسرني باختلاف أصحاب النبي ش حُمْرُ النَّعَم)) (٤) واشتهر حديث عند الفقهاء وهو: ((اختلاف أمتي رحمة)) (٥) . وهذا كله حق لا مرية فيه، إلا أنه حق يعوزه شيء من التفصيل، وهذا التفصيل ذكره الإمام الشافعي - رحمه الله - في ((رسالته)) حيث جعل لهذا الاختلاف المرحوم قسيماً آخر، وهو: الاختلاف المحرَّم، فلما سئل - رحمه الله - ما الاختلاف المحرّم؟ قال:((كل ما أقام الله به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيِّه منصوصاً بيّناً لم يحلَّ الاختلاف فيه لمن علمه)) واستدل على ذلك من كتاب الله تعالى بقوله: ((وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( [البينة: ٤٠] وبقوله (: (ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات ( [آل عمران: ١٠٥] فهؤلاء المخالفين ما اختلفوا حتى جاءهم العلم، وجاءتهم البينة، فاختلفوا للبغي والظلم، لا لأجل اشتباه الحق بالباطل (٦) .
(١) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد الفقهاء السبعة في المدينة وأحد سادات التابعين توفي سنة ١٠٧ هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب ٢ / ٤٤، الأعلام ٥ / ١٨١. (٢) انظر: الطبقات الكبرى ٥ / ٨٩. (٣) هو عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي القرشي أبو حفص، قيل له: خامس الخلفاء الراشدين لعدله وصلاحه، توفي سنة ١٠١ هـ. انظر ترجمته في: شذرات الذهب ٢ / ٧، الأعلام ٥ / ٥٠. (٤) انظر: الطبقات الكبرى ٥ / ٣٨١. (٥) والحديث ليس له أصل. انظر: الدرر المنتثرة ص ٤١. (٦) انظر: الرسالة ص ٣٥٢.