أجمع الصحابة - رضوان الله عليهم- على القول بعدم جواز مس المحدث المصحف، حيث روي ذلك عمن تقدم ذكرهم من فقهاء الصحابة ومشاهيرهم، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف (١) ، فكان إجماعًا سكوتيًا (٢) ، بل كان ذلك هو المستقر عند الصحابة زمن النبوة وبعده ويدل عليه قصة إسلام عمر، فإنه حين دخل على أخته وزوجها وهم يقرؤن القرآن فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم أقرؤه، فقالت له أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم واغتسل، أو توضأ، فقام عمر فتوضأ، ثم أخذ الكتاب، فقرأ طه) رواه الدارقطني (٣) ، والبيهقي (٤) .
وروي عن علقمة قال: كنا مع سلمان الفارسي في سفر، فقضى حاجته، فقلنا له: توضأ حتى نسألك عن آية من القرآن، فقال: سلوني، فإني لست أمسه، فقرأ علينا ما أردنا، ولم يكن بيننا وبينه ماء) وفي لفظ آخر أنه قال:(سلوني فإني لا أمسه، إنه لا يمسه إلا المطهرون)(٥) .
قال البيهقي بعد روايته هذا الأثر:(وكأنهم ذهبوا – القائلون بعدم جواز مس المصحف – في تأويل الآية إلى ما ذهب إليه سلمان، وعلى ذلك حملته أخت عمر ابن الخطاب في قصة إسلامه)(٦) .
(١) ٤٠) انظر: المغني، ١/١٤٧، المجموع للنووي، ٢/٨٠، مجموع فتاوى شيخ الإسلام، ٢١/٢٦٦. (٢) ٤١) إظهار الحق المبين، ص، ١٧. (٣) ٤٢) ١/١٢٣ وقال في التعليق المغني على سنن الدارقطني: الحديث أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده مطولاً. قال المؤلف: تفرد به القاسم بن عثمان وليس بالقوي. وقال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها. (٤) في السنن الكبرى، ١/٨٨. (٥) ٤٤) مصنف ابن أبي شيبة، ١/١٠٣؛ سنن الدارقطني، ١/١٢٣ وقال في التعليق المغني على سنن الدارقطني: هذا إسناد صحيح موقوف على سلمان، والسنن الكبرى للبيهقي، ١/٨٨، ومعرفة السنن والآثار، ١/١٨٥، والمحلى، ١/٨٤. (٦) ٤٥) معرفة السنن والآثار، ١/١٨٥.