وجوهر ما ترمي إليه هذه الحركة كما يعبر “ إيرفن تشايلد ” الأستاذ بجامعة ييل النظر إلى الإنسان ((بوصفه إنساناً، لا مجرد حيوان أو آلة، فالإنسان قوة واعية، وهذه هي نقطة الانطلاق، فهو يجرب، وهو يقرر، وهو يتصرف..)) ( [١٨٢] ) .
النظرة الجديدة تتجه إلى الإنسان ليس بوصفه رزمة من ردود الأفعال، ولا هو نتاج قوى خارجية، ليس آلة، وليس جرذاً كما يُعبر “ فكتور فرانكل ” ( [١٨٣] ) .
وإن الأساطير لا يمكن أن تكون ميراثاً إنسانياً. فهي رؤية وثنية للعالم، سواءٌ أكانت أساطير يونانية، أو جاهلية عربية. فالأساطير اليونانية تقوم على تقسيم الكون بين آلهة عديدة، إله للخصب، وإله للنسل، وإله للشمس، وإله للقمر ( [١٨٤] ) . والأساطير الجاهلية تقوم على عبادة الأصنام، والحيوانات، وقوى الطبيعة، اعتقاداً بوجود قوى خارجية فيها، فعبدوها إفادة منها أو دفعاً لشرورها ( [١٨٥] ) .
الأساطير اليونانية يمكن أن تكون ميراثاً فكرياً للشاعر الأوروبي الذي ورث هذا التصور حين كانت هذه الأساطير الوثنية إحدى دعائم وجوده الثقافي وتصوراته للكون والحياة.
والأساطير الجاهلية يمكن أن تكون مصدراً لتصور جاهلي جديد يؤمن بالخرافة ويقدسها، ويجعل من الحق باطلاً، والباطل حقاً.
إن هذه الأساطير يونانية أو عربية، لا يصح أن تكون مصدراً لتصور الإنسان المسلم الذي يملك أعظم تصور شامل للإنسان والكون والحياة، يقوم على منهج إلهي محكم، يجعل من الكون دليلاً من دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى، وخادماً مطيعاً للإنسان، تدبر حركته قوة إلهية. وهو منقاد لربه، يسبح له ويخضع لنواميسه.
لا يحس الإنسان تُجاهه بالخصومة واللَّدد، فالعلاقة بينهما قوامها الحب والألفة. والخضوع كله لله سبحانه وتعالى ( [١٨٦] ) .