الحسن، وأصله الآلة المعروفة، وأطلق اسمها على الصوت للمشابهة، ونص غير واحد على أن المقصود بآل داود: داود نفسه، وإليه المنتهى في حسن الصوت، ولم يعرف من أقاربه أنه كان أعطي من حسن الصوت ما أعطي، ف (آل) هنا مقحمة (١) ، ولا يبعد أن يكون آل داود قد أورثوا هذه الهبة، وإنما خُصّ داود عليه السلام من بينهم بتسبيح الجبال معه والطير، كما قال تعالى:{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ}(٢) ، وقال تعالى:{إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ}(٣) ، وهذا التسخير معجزة من الله لنبيه داود عليه السلام، وتسبيح الجبال والطير معه تسبيح حقيقي مسموع، لا يجوز صرفه عن ظاهره إلا بدليل يعوّل عليه (٤) ، وقد أشارت الآيات إلى أمرين:
أولاهما: أن وقت التسبيح بالعشي والإشراق، والعشي: من وقت العصر إلى الليل، والإشراق بالغداة وقت الضحى (٥) .
ثانيهما: أن ذلك مقصور على الجبال والطير فقط، فكان ((إذا سّبح أجابته الجبال واجتمعت إليه الطير فسبحت معه، واجتماعها إليه كأن حشرها)) (٦) .
وكذلك الصوت الحسن الذي امتن الله به على داود موهبة كريمة من الله تعالى، ونص بعض المفسرين على أنه من العلم الذي أشار الله إليه في قوله تعالى:{وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}(٧) ، وأطلق بعضهم عليه علم الألحان (٨) .
(١) انظر ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث، مادة (زمر) ٢/٣١٢، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن ١٤/٢٦٥، ابن حجر: فتح الباري ١٩/١١٢. (٢) الأنبياء الآية ٧٩. (٣) ص، الآيتان ١٨،١٩. (٤) انظر الآلوسى روح المعانى ٢٢/١١٢، محمد الأمين: أضواء البيان ٤/٦٧٢. (٥) انظر الطبرى: جامع البيان٢٢/١٣٧. (٦) المصدر السابق ٢٢/١٣٨. (٧) البقرة، الآية ٢٥١. (٨) الرازي: مفاتيح الغيب ٣/٢٠٤ أبوحيّان: البحر ٢/٢٦٨.