فذلكما النبيان - الكريمان -وإن كانا دون درجة أولي العزم الخمسة لكنهما من جملة الأنبياء الذين امتدحهم الله في القرآن الكريم مدحاً عظيماً (١) ، ولا التفات لما رُميا به مما لا يليق بأفناء الناس فكيف بأنبياء الله؟! .
لقد امتزجت تلكم الهبات الربانية - النبوة والعلم والملك - فأفرزت بفضل الله شخصيتين مكتملتي المواهب سجلت في القرآن الكريم فحقت أخذ العبرة منها.
وفيما يلي ألقي الضوء على علمهما عليهما السلام وصلته بشخصيتهما الكريمتين:
القضاء:
قال تعالى:{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}(٢) ، الضمير فى {وَآتَيْنَاهُ} راجع إلى داود عليه السلام، وهو يدل على أن الذي أوتيه من الحكمة وفصل الخطاب من طريق الوحي، وسيأتي الحديث عن الحكمة في آخر البحث، وأما قوله تعالى:{وَفَصْلَ الْخِطَابِ} فالفصل: ((تمييز الشيء من الشيء وإبانته عنه)) (٣) ، ((والخَطب والمخاطبة والتخاطب المراجعة في الكلام)) (٤) ، ومعنى الآية: إصابة القضاء، وهو قول ابن عباس (ت٦٨ هـ) رضى الله عنهما ومجاهد (ت ١٠٤هـ) وغيرهما، ويدخل في ذلك من قال: إن معناه: تكليف المدّعى البينة، واليمين على من أنكر، وإنما كان فصل الخطاب قضاء لأن به يفصل بين الخصومة، والخصام نوع من الخطاب (٥) ، وقال آخرون: معنى الآية فصاحة الكلام، وسيأتي هذا المعنى مفصلاً في المبحث التالي.
(١) انظر عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن ٦/٥٦٧. (٢) ص، الآية ٢٠. (٣) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (فصل) ٤/٥٠٥. (٤) الراغب الأصفهاني: المفردات، مادة (خطب) ١٥٠. (٥) انظر البخاري: صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ} ٤/١٣٤، الطبري ٢٣/١٣٩، ابن عطية: المحرر الوجيز ١٢/٤٣٧، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن ١٥/١٦٢، الآلوسي: روح المعاني ٢٣/١٧٧.