فإذا عرفت قصص الأنبياء، ومن اتبعهم، ومن كذَّبهم، وأنَّ متبعيهم كان لهم النجاة [والعاقبة] ١ والنصر والسعادة، [ولمكذّبهم] ٢ الهلاك والبوار، جعل الأمر في المستقبل مثلما كان في الماضي؛ فعلم أنّ من صدّقهم كان سعيداً، ومن كذَّبهم كان شقياً. وهذه [سنة الله] ٣ وعادته.
ولهذا يقول سبحانه في تحقيق عادته وسنته، وأنه لا ينقضها ولا يبدلها:{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ في الزُّبُر} ٤؛ يقول: فإذا لم يكونوا خيراً منهم، فكيف ينجون من العذاب، مع مماثلتهم لهم، هذا بطريق الاعتبار والقياس، ثم قال:{أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} : أي معكم خبر من الله بأنه لا يعذبكم؟؛ فنفى الدليلين: العقلي، والسمعي، ثم ذكر قولهم: نحن جميعٌ منتصر، وإنَّا نغلب من يغالبنا، فقال تعالى:{سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر} ٥، وهذا ممّا [أنبأ به] ٦ من الغيب في حال ضعف الإسلام، واستبعاد عامة الناس ذلك٧، ثم كان كما أخبر.
١ في ((م)) ، و ((ط)) : العافية. ٢ في ((م)) ، و ((ط)) : ولمكذّبيهم. ٣ في ((خ)) : الله سنة - تقديم وتأخير -. والمثبت من ((م)) ، و ((ط)) . ٤ سورة القمر، الآية ٤٣. ٥ سورة القمر، الآية ٤٥. ٦ في ((م)) ، و ((ط)) : أنبأه. ٧ نقل الطبري بسنده عن عكرمة أن عمر قال: لما نزلت: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} جعلتُ أقول: أيّ جمع سيهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} تفسير الطبري ٢٧١٠٨. وكذلك نقله ابن كثير عن ابن أبي حاتم بسنده إلى عكرمة، وفيه أن عمر رضي الله عنه قال في آخره: فعرفت تأويلها يومئذ. تفسير ابن كثير ٤٢٦٦. وروى البخاري في صحيحه عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إذ قالت: (لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} . صحيح البخاري ٤١٨٤٦، كتاب التفسير، باب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} .