ثم هنا يلزمهم شيء آخر؛ وهو أنه: لِمَ قلتم أنّ المعجز الذي يُدَلّ به على صدق الأنبياء، ما ذكرتموه؛ من مجرد كونه خارقاً مع الدعوى وعدم المعارضة١؛ فإن هذا يُقال: إنه باطل من وجوه:
أحدها: أنه إذا كان ما يأتي به النبي يأتي به الساحر والكاهن، لكان أولئك٢ يعارَضون، وهذا٣ لا يعارَض؛ فالاعتبار إذن بعدم المعارضة. فقولوا: كلّ من ادّعى النبوة، [وقال] ٤: معجزتي أن لا يدعيها غيري، فهو صادق. أو: لا يقدر غيري على دعواها، فهو صادق، أو: أفعل أمراً معتاداً؛ من الأكل، والشرب، واللباس، ومعجزتي: أن لا يفعله غيري، أو: لا يقدر غيري على فعله، فهو صادق.
فالتزموا هذا، وقالوا: المنع من المعتاد كإحداث غير المعتاد٥. وعلى هذا: فلو قال الرسول: [معجزتي] ٦ [أن] ٧ أركب الحمار، أو الفرس، أو آكل هذا الطعام، أو ألبس هذا الثوب، أو أعدوَ٨ إلى ذلك المكان، وأمثال ذلك. وغيره لا يقدر على ذلك؛ كان هذا آية [دعواه] ٩.
١ انظر قولهم في: الإرشاد ص ٣١٢-٣١٣. وفي شرح المقاصد ٥/١١؛ عند تعريف المعجزة. ٢ يعني السحرة، والكهنة. ٣ النبيّ. ٤ في ((خ)) : وقالوا. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) . ٥ انظر: البيان للباقلاني ص ١٦-١٧، ١٩-٢٠. والإرشاد للجويني ص ٣٠٨-٣٠٩. ٦ في ((خ)) : معجزة. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) . ٧ في ((م)) ، و ((ط)) : أني. ٨ في ((خ)) أعدوا بزيادة الألف. ٩ في ((خ)) : ادعوه. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .