منها هذا المخلوق الجديد، ويخلق الضدّ من ضدّه؛ كما جعل من الشجر الأخضر ناراً، فإذا حك الأخضر بالأخضر، سخن ما يسخنه بالحركة، حتى ينقلب نفس الأخضر فيصير ناراً١. وعلى قولهم ما جعل فيه ناراً، بل تلك الجواهر باقية بعينها، وأُحْدِثَ فيها [عرضٌ] ٢ لم يكن.
وخلقُ الشيءِ من غير جنسه أبلغ في قدرة القادر الخالق سبحانه وتعالى؛ كما وصف نفسه بذلك في قوله:{قُل اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْر إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ في اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب} ٣. ولهذا قال للملائكة:{إِنِّي خَالِقٌ بَشَرَاً مِنْ طِين فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} ٤، وقال:{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ في قَرَارٍ مَكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ} ٥.
١ كما قال تعالى: {الَّذي جَعَلَ لَكُم مِن الشَّجَر الأخضَرِ ناراً فَإذَا أنتُم منهُ تُوقِدُون} . سورة يس، الآية ٨٠. والمقصود به ما يُشاهدونه من جعله النّار من العفار والمرخ، وهما شجرتان خضراوان، إذا حكت إحداهما بالأخرى بتحريك الريح لها، اشتعل النار فيها. انظر: تفسير الطبري ٢٣٣٢. ورسالة إلى أهل الثغر ص ١٦٠. ٢ في ((ط)) فقط: عرضاً. ٣ سورة آل عمران، الآيتان ٢٦-٢٧. ٤ سورة ص، الآيتان ٧١-٧٢. ٥ سورة المرسلات، الآية ٢٠-٢٣. ٦ سورة الإسراء، الآية ٦١. ٧ سورة الحجر، الآية ٣٣.