والمشهود المعلوم للناس إنّما هو إحداثه لما يحدثه من غيره، لا إحداثاً من غير مادة، ولهذا قال تعالى:{وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئَاً} ١، ولم يقل خلقتك لا من شيء، وقال تعالى:{وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} ٢، ولم يقل خلق كل دابة لا من شيء، وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ٣.
الرد على الجهمية
وهذا٤ هو القدرة التي تبهر العقول؛ وهو أن يقلب حقائق الموجودات فيحيل الأول ويُفنيه ويُلاشيه، ويُحدث شيئاً آخر؛ كما قال:{فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ} ٥، ويُخرج الشجرة الحية، والسنبلة الحية، من النواة والحبة الميتة، ويخرج النواة الميتة، والحبة الميتة، من الشجرة والسنبلة الحية؛ كما يخرج الإنسان الحي من النطفة الميتة، والنطفة الميتة من الإنسان الحي.
وعندهم٦ لا يُخرج حيّاً من ميت، ولا ميتاً من حي؛ فإنّ الحيّ والميت إنّما هو الجوهر القائم بنفسه؛ فإنّ الحياة عرض لا يقوم إلا بجوهر، والعرض نفسه لا يقوم بعرض آخر. وإن كان العرض يوصف بأنّه حيّ؛ كما يقال: قد أحييت العلم والإيمان، وأحييت الدين، وأحييت السنة والعدل؛ كما يقال:[أمات] ٧ البدعة.
١ سورة مريم، الآية ٩. ٢ سورة النور، الآية ٤٥. ٣ سورة الأنبياء، الآية ٣٠. ٤ هكذا وردت في ((خ)) ، و ((م)) ، و ((ط)) . ٥ سورة الأنعام، الآية ٩٥. ٦ عند المتكلمة الجهمية. ٧ في ((خ)) رسمت هكذا: امه. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .