الخصوم، ولكن لما انتشرت الرعية في زمن عمر بن الخطاب ﵁، ابتاع من صفوان بن أمية ﵁ دارا بمكة بأربعة آلاف درهم، وجعلها سجنا يحبس فيها.
ولهذا تنازع العلماء، هل يتخذ الإمام حبسا على قولين؟ فمن قال لا يتخذ حبسا، احتج بأنه لم يكن لرسول اللّه ﷺ ولا لخليفته من بعده حبس، ولكن يعوقه بمكان من الأمكنة، أو يقيم عليه حافظا، وهو الذي يسمى الترسيم، أو يأمر غريمه بملازمته. ومن قال له أن يتخذ حبسا، احتج بفعل عمر بن الخطاب ﵁، ومضت السنة في عهد رسول اللّه ﷺ، وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، ﵃، أنه لا يحبس على الديون، ولكن يتلازم الخصمان.
وأوّل من حبس على الدين، شريح القاضي، وأمّا الحبس الذي هو الآن، فإنه لا يجوز عند أحد من المسلمين، وذلك أنه يجمع الجمع الكثير في موضع يضيق عنهم، غير متمكنين من الوضوء والصلاة، وقد يرى بعضهم عورة بعض، ويؤذيهم الحرّ في الصيف، والبرد في الشتاء، وربما يحبس أحدهم السنة وأكثر ولا جدة له، وأنّ أصل حبسه على ضمان، وأمّا سجون الولاة فلا يوصف ما يحلّ بأهلها من البلاء، واشتهر أمرهم أنهم يخرجون مع الأعوان في الحديد حتى يشحذوا وهم يصرخون في الطرقات الجوع، فما تصدّق به عليهم لا ينالهم منه إلاّ ما يدخل بطونهم، وجميع ما يجتمع لهم من صدقات الناس يأخذه السجان وأعوان الوالي، ومن لم يرضهم بالغوا في عقوبته، وهم مع ذلك يستعملون في الحفر وفي العمائر ونحو ذلك من الأعمال الشاقة، والأعوان تستحثهم، فإذا انقضى عملهم ردّوا إلى السجن في حديدهم من غير أن يطعموا شيئا. إلى غير ذلك مما لا يسع حكايته هنا. وقد قيل أن أوّل من وضع السجن والحرس معاوية. وقد كان في مدينة مصر وفي القاهرة عدّة سجون، وهي حبس المعونة بمصر، وحبس الصيار بمصر، وخزانة البنود بالقاهرة، وحبس المعونة بالقاهرة، وخزانة شمائل، وحبس الديلم، وحبس الرحبة، والجب بقلعة الجبل.
حبس المعونة بمصر: ويقال أيضا: دار المعونة، كانت أوّلا تعرف بالشرطة، وكانت قبليّ جامع عمرو بن العاص، وأصله خطّه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّ ﵃، اختطها في أول الإسلام، وقد كان موضعها فضاء. وأوصى فقال: إن كنت بنيت بمصر دارا واستعنت فيها بمعونة المسلمين فهي للمسلمين، ينزلها ولاتهم. وقيل بل كانت هي ودار إلى جانبها لنافع بن عبد قيس الفهريّ، وأخذها منه قيس بن سعد وعوّضه دارا بزقاق القناديل. ثم عرفت بدار الفلفل لأنّ أسامة بن زيد التنوخيّ صاحب خراج مصر، ابتاع من موسى بن وردان فلفلا بعشرين ألف دينار، كان كتب فيه الوليد بن عبد الملك ليهديه إلى صاحب الروم، فخزّنه فيها، فشكا ذلك إلى عمر بن عبد العزيز ﵁ حين تولى الخلافة، فكتب أن تدفع إليه. ثم صارت شرطة ودار الصرف، فلما فرغ عيسى بن يزيد الجلوديّ من زيادة عبد اللّه بن طاهر في الجامع بنى شرطة في سنة ثلاث عشرة ومائتين، في