وليلة ذات تهتان وأندية ... كأنما البرق فيها صارم سلط١
لف الغمام أقاصيها ببردته ... وأنهل في حجرتيها وابل سبط٢
بهماء لا يهتدي الساري بكوكبها ... من الغمام ولا يبدو بها نمط٣
يكاد يجهل فيها القوم أمرهم ... لولا صهيل جياد الخيل واللغط
يطغى بها البرق أحيانًا فيزجره ... مخرنطم زجل من رعدها خمط٤
كأنما البرق سوطٌ والحيا نجب ... يلوح في جسمها من مسه حبط٥
كأنه صارم يرفض من علق ... بالأفق يغمد أحيانًا ويخترط٦
مزقت جلبابها بالخيل طالعة ... مثل الحمائم في أجيادها العلط٧
وقد تخلل خيط النور ظلمتها ... كما تخلل شعر اللمة الوخط
كأنها وصديع الفجر يصدعها ... من جانب أدهم قد مسه نبط٨
ومربع لنسيم الفجر هيمنة ... فيه وللطير في أرجائه لغط
كأنما القطر در في جوانبه ... يكاد من صدف الأزهار يلتقط
وللنسيم خلال النبت غلغلة ... كما تغلغل وسط اللمة المشط
والريح تمحو سطورًا ثم تثبتها ... في النهر لا صحة فيها ولا غلط
وللسماء خيوط غير واهية ... تكاد تجمع بالأيدي فترتبط
كأنها وأكف الريح تضربها ... سلوك عقد تواهت فهي تنخرط
وفي هذه القطعة أبيات يسمو فيها البارودي بإحساسه وبراعة تصويره، وإدراكه للأمور الدقيقة، كوصفه النسيم وهو يتخيل النبت، أو وصفه خيوط المطر وهي نازلة، وقال يصف النجوم:
١ أندية: ج ندى, وهو البلل، وسلط: لا نتوء في نصله.
٢ حجرتاها: ناحيتاها، وسبط: شديد متدارك.
٣ النمط: الطريق.
٤ مخرنطم: وهو اسم فاعل من اخرنطم الرجل, أي: رفع أنفه واستكبر وغضب، وزجل: عالي الصوت, ومن رعدها: بيان لزجل, وخمط: غضوب ثائر.
٥ الحياء: المطر، والنجب: كرام الخيل والإبل وعتقها وجيادها المفرد نجيب، ومن مسه: أي: بسبب مسه وأناه، والضمير يعود على السوط, والحبط: آثار السياط بالبدن أو الآثار الوارمة التي لم تشقق.
٦ كأنه: أي: البرق، يرفض: يسيل ويقطر، والعلق: الدم، يخترط: يسل ويجرد من غمده.
٧ العلط: ككتب جمع علاط ككتاب, وهو من الحمامة طوقها في صفحتي عنقها بسواد.
٨ النبط: بياض في بطن الفرس، وصديع الفجر: أي: طلوعه؛ لأنه يصدع الليلة, أي: يشقها.