وُرُدَّ بِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا أَنَّ الشَّارِعَ اسْتَعْمَلَهُ فِي مَعْنَاهُ لِمُنَاسَبَةٍ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ ثُمَّ اشْتُهِرَ فَأَفَادَ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ فَذَلِكَ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَثَبَتَ الْمُدَّعِي وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اسْتَعْمَلُوهُ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي وَتَبِعَهُمُ الشَّارِعُ فِي ذَلِكَ فَخِلَافُ الظَّاهِرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا مَعَانٍ حَادِثَةٌ مَا كَانَ أَهْلُ اللُّغَةِ يَعْرِفُونَهَا.
وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَمَنْ مَعَهُ بِأَنَّ إِفَادَةَ هذه ألفاظ لِهَذِهِ الْمَعَانِي لَوْ لَمْ تَكُنْ لُغَوِيَّةً لَمَا كَانَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ عَرَبِيًّا وَفَسَادُ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَلْزُومِ، أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَذْكُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ إِفَادَتُهَا لِهَذِهِ الْمَعَانِي عَرَبِيَّةً لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الْقُرْآنُ عَرَبِيًّا.
وَأَمَّا فَسَادُ اللَّازِمِ فَلِقَوْلِهِ سبحانه: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ١ وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِه} ٢.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ إِفَادَةَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِهَذِهِ الْمَعَانِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَرَبِيَّةً لَكِنَّهَا فِي الْجُمْلَةِ أَلْفَاظٌ عَرَبِيَّةٌ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانُوا يَعْنُونَ بِهَا غَيْرَ هَذِهِ الْمَعَانِي وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عَرَبِيَّةً فَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ.
وَأُجِيبَ أَيْضًا: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهَا مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ جَعَلَهَا الشَّارِعُ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً لِأَنَّ المجازات عربية وإن لم "تصرح"* الْعَرَبُ بِآحَادِهَا فَقَدْ جَوَّزُوا نَوْعَهَا وَذَلِكَ يَكْفِي فِي نِسْبَةِ الْمَجَازَاتِ بِأَسْرِهَا إِلَى لُغَةِ الْعَرَبِ وَإِلَّا لَزِمَ "أَنَّهَا"** كُلَّهَا لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ.
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَجَازَاتِ الْعَرَبِيَّةَ الَّتِي صَارَتْ حَقَائِقَ بِوَضْعِ الشَّارِعِ لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ غَيْرَ عَرَبِيٍّ بِدُخُولِهَا فِيهِ لِأَنَّهَا قَلِيلَةٌ جِدًّا وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَغْلَبِ فَإِنَّ الثَّوْرَ الْأَسْوَدَ لَا يَمْنَعُ إِطْلَاقَ اسْمِ الْأَسْوَدِ عَلَيْهِ بِوُجُودِ شَعَرَاتٍ بِيضٍ فِي جِلْدِهِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى مَجْمُوعِهِ وَعَلَى كُلٍّ بَعْضٌ مِنْهُ فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ كُلَّهُ عَرَبِيُّ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ يُوسُفَ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ٣ وَالْمُرَادُ مِنْهُ تِلْكَ السُّورَةُ.
وَأَيْضًا: الْحُرُوفُ الْمَذْكُورَةُ في أوائل السور ليست بعربية و"المشكاة"٤ لغة حبشية
* في "أ": تصرح.** في "أ": كونها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute