قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: لَيْسَ لِإِجْمَاعٍ حَظٌّ فِي نَسْخِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُشَرِّعُونَ، وَلَكِنَّ إِجْمَاعَهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْغَلَطِ فِي الْخَبَرِ، أَوْ رَفْعِ حُكْمِهِ، لَا أَنَّهُمْ رَفَعُوا الْحُكْمَ، وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعٌ لِمَا أُمِرُوا بِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ النَّسْخُ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ لَا بِنَفْسِهِ، بَلْ بِسَنَدِهِ، فَإِذَا رَأَيْنَا "نَصًّا"* صَحِيحًا، وَالْإِجْمَاعُ بِخِلَافِهِ، اسْتَدْلَلْنَا بذلك على نسخ، وَأَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ اطَّلَعُوا عَلَى نَاسِخٍ، وَإِلَّا لَمَا خَالَفُوهُ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: جَوَّزَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنْ يَرِدَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ، قَالَ: وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، قَالَ: وَهَذَا عِنْدَنَا غَلَطٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْدُومٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ١ وَكَلَامُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْيٌ مَحْفُوظٌ. انْتَهَى.
وَمِمَّنْ جَوَّزَ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ نَاسِخًا الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ "الْفَقِيهِ وَالْمُتَفَقِّهِ"٢ وَمَثَّلَهُ بِحَدِيثِ الْوَادِي، الَّذِي فِي الصَّحِيحِ حِينَ نَامَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ.
وَقَالَ فِي آخِرِهِ: "فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا، وَمِنَ الْغَدِ لِلْوَقْتِ" ٣.
قَالَ: فَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ بَعْدَ قَضَائِهَا حَالَ الذِّكْرِ وَفِي الْوَقْتِ مَنْسُوخٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ "أَنَّهُ"** لَا يَجِبُ ولا يستحب.
* في "أ": متنًا.** في "أ": ولا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute