لِلضَّرَرِ الْمَظْنُونِ عَامٌّ فِي كُلِّ الصُّوَرِ. انْتَهَى.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ -فِي دَفْعِ مَا قاله مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ فِي حُكْمِ الْخِطَابِ الْوَاحِدِ-: إِنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ مِنْ فُنُونِ الْهَذَيَانِ، فَإِنَّ قَضَايَا الْأَلْفَاظِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُخْتَلِفَةٌ مُتَبَايِنَةٌ، لِبَعْضِهَا حُكْمُ التَّعَلُّقِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَلِبَعْضِهَا حُكْمُ الِاسْتِقْلَالِ وَالِانْقِطَاعِ. فَمَنِ ادَّعَى تَنْزِيلَ جِهَاتِ الْخِطَابِ عَلَى حُكْمِ كَلَامٍ وَاحِدٍ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ فِيهِ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ، وَالْأَمْرُ وَالزَّجْرُ، والأحكام المتغايرة؛ فقد ادَّعَى أَمْرًا عَظِيمًا. انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ اتِّحَادَ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ يَقْتَضِي حُصُولَ التَّنَاسُبِ بَيْنَهُمَا بِجِهَةِ الْحَمْلِ، وَلَا نَحْتَاجُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ إِلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ الْبَعِيدِ. فَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِالْحَمْلِ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ رَابِعٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْمُطْلَقِ بَعْدَ الْمُقَيَّدِ مِنْ جِنْسِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ، فَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى تَقْيِيدِهِ قُيِّدَ، وَإِنْ لَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ صَارَ كَالَّذِي لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ، فَيُعْدَلُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا أَفْسَدُ الْمَذَاهِبِ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ الْمُحْتَمِلَةَ يَكُونُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا عَائِدًا إِلَيْهَا، وَلَا يُعْدَلُ إِلَى غَيْرِهِ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ أَغْلَظُ الْحُكْمَيْنِ فِي "الْمُطْلَقِ وَ"* الْمُقَيَّدِ، فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْمُقَيَّدِ أَغْلَظَ حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
وَلَا يُحْمَلُ عَلَى إِطْلَاقِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ إِلْزَامٌ، وَمَا تَضَمَّنَهُ الْإِلْزَامُ لَا يَسْقُطُ الْتِزَامُهُ بِاحْتِمَالٍ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى الْمَذَاهِبِ. قُلْتُ: بَلْ هُوَ أَبْعَدُهَا مِنَ الصَّوَابِ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ:
أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْحُكْمِ، نَحْوُ: اكْسُ يَتِيمًا، أَطْعِمْ يَتِيمًا عَالِمًا، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، سَوَاءٌ كَانَا مُثْبَتَيْنِ أَوْ مَنْفِيَّيْنِ أَوْ مختلفين، اتحد سببهما أو اختلف. "وقد" ** حكى الْإِجْمَاعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ آخِرُهُمُ ابْنُ الْحَاجِبِ.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".** ما بين قوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute