أنّه ليس بينه وبين الأسباب تضادّ، وذلك أنّ التّوكّل اعتماد القلب على الوكيل وحده، وذلك لا يناقض حركة البدن في التّعلّق بالأسباب، ولا ادّخار المال؛ فقد قال تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً﴾ [النساء: ٥]، أي: قواما لأبدانكم.
وقال ﷺ:«نعم المال الصّالح مع الرّجل الصّالح»(١).
وقال ﷺ:«إنّك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون النّاس»(٢).
واعلم أنّ الّذي أمر بالتّوكّل، أمر بأخذ الحذر، فقال: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: ٧١]، وقال: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: ٦٠]، وقال: ﴿فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً﴾ [الدخان: ٢٣].
وقد ظاهر رسول الله ﷺ بين درعين (٣)، وشاور طبيبين، واختفى في الغار، وقال: من يحرسني اللّيلة (٤)؟ وأمر بغلق الباب.
وفي «الصّحيحين»: من حديث جابر: أنّ النّبيّ ﷺ قال: «أغلق بابك»(٥). وقد أخبرنا أنّ التّوكّل لا ينافي الاحتراز.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد السّمرقنديّ، نا عبد الله بن يحيى الموصليّ، ونصر بن أحمد، قالا: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، ثنا الحسين بن صفوان، ثنا أبو بكر القرشيّ، ثني أبو حفص الصّيرفيّ، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا المغيرة بن أبي قرّة السّدوسيّ، قال: سمعت
(١) تقدم تخريجه. (٢) أخرجه البخاري (١٢٩٥)، ومسلم (١٦٢٨) من حديث سعد ﵁. (٣) أخرجه أبو داود (٢٥٩٠)، وابن ماجه (٢٨٠٦) من حديث السائب بن يزيد ﵁ وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (٢٢٥٧). (٤) أخرجه أبو داود (٢٥٠١) من حديث سهل بن الحنظلية ﵁ وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (٢١٨٣) وانظر البخاري (٢٨٨٥) ومسلم (٢٤١٠). (٥) أخرجه البخاري (٣٢٨٠)، ومسلم (٢٠١٢).