وقد تقدم أن" هل" تستعمل فى التمنى فهذا أيضا مما نحن فيه، وزاد غيره التهديد، ومثله: بألم أؤدب فلانا؟ وقد تقدم التمثيل به للوعيد. ولا شك أن معناهما متقارب، وزيد أيضا العرض نحو: ألا تنزل فتصيب خيرا؟ والتحضيض كقولك: لمن بعثته لمهم فلم يذهب: أما ذهبت؟ والزجر، كقولك لمن يؤذى أباه: أتفعل هذا؟ ذكر الثلاثة فى المصباح، وقد تأتى الهمزة للأمر كما قيل فى قوله سبحانه وتعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ (١) معناه أسلموا.
وقال أبو سعيد السيرافى فى: علمت أزيد فى الدار أم عمرو؟ هذا ليس باستفهام، والمتكلم به بمنزلة المسئول عنه، والمخاطب بمنزلة السائل. وقد خرجت الهمزة أيضا عن معناها فى أرأيتك موافقة أخبرنى قال فى المصباح: وقد تأتى للمبالغة فى المدح كقوله:
بدا فراغ فؤادى حسن صورته ... فقلت هل ملك ذا الشّخص أم ملك
أو فى الذم كقول زهير:
فما أدرى وسوف أخال أدرى ... أقوم آل حصن أم نساء (٤)
أو التدله فى الحب كقوله:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاى منكن أم ليلى من البشر (٥)
وعليه اعتراض سيأتى فى البديع، والتحقيق فى أكثر هذه الأمور رجوعها إلى الاستفهام الحقيقى.
(تنبيه): هذا النوع من خروج الاستفهام عن حقيقة يسمى الإعنات، وسماه ابن المعتز تجاهل العارف، وهل تقول: إن معنى الاستفهام فيه موجود، وانضم إليه معنى
(١) سورة آل عمران: ٢٠. (٢) سورة البقرة: ٦. (٣) سورة الأنبياء: ١١١. (٤) البيت من الوافر: لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص: ٧٣، والاشتقاق ص: ٤٦، ومغنى اللبيب ص: ٤١، ١٣٩. (٥) البيت من البسيط، للمجنون فى ديوانه ص: ١٣٠، للعرجى فى شرح التصريح (٢/ ٢٩٨)، والمقاصد النحوية (١/ ٤١٦).