"وجدنا الحديث عند أربعة: الزهري وقتادة والأعمش وأبي إسحاق، وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف وكان الزهري أعلمهم بالإسناد... "(١) .
ويُرْوى عنه الكثير مما يدل على معرفته بصحيح الروايات وجيدها ودقة علمه بمخارج السنن وتمييزه لصحيحها من سقيمها، ومن ذلك توقيه الرواية عن أهل العراق، وتحذيره منها، بقوله:"إذا سمعت بالحديث العراقي فاردد به ثم اردد"(٢) ، ويروي عنه النعمان بن راشد فيقول:"سمعت ابن شهاب يحدث بحديث يزيد بن أبي أنيسة فقلت: يا أبا بكر من حدثك بهذا؟ قال: أنت حدثتنيه، ممن سمعته؟ فقلت: رجل من أهل الكوفة، قال أفسدته، إن في حديث أهل الكوفة دغلا كثيرا"(٣) .
وقد كان كلام الزهري هذا من أهم ما اعتمده المحدِّثون في تضعيف رواية أهل العراق.
فكان تعيين الزهري - وهو بهذه المنزلة - على رأس القائمين بتدوين السنة كافيا بأن يجعلها تخضع لمقاييس محدودة مضبوطة منع معها تسرب الموضوع إليها، ويؤكد هذه الحقيقة قول الزهري وهو يشرح البواعث على قيامه بالتدوين:"لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها لا نعرفها ما كتبت حديثا ولا أَذِنْتُ في كتابته"(٤) .
(١) الخطيب: الجامع ٢: ٢٩٣-٢٩٤. (٢) الفسوي ٢: ٧٥٧. (٣) الفسوي ٢: ٧٦٠، الخطيب ٢: ٢٨٧، وانظر في ذمه لرواية أهل العراق: ابن عدي: الكامل ١: ٧٠، ابن سعد: الطبقات (القسم المتمم) ١٧١، البيهقي: معرفة السنن والآثار ١: ٦٣. (٤) الخطيب: تقييد العلم: ١٠٧-١٠٨.