ومما يضعف هذا الوجه امتناع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عن مصافحة النساء في البيعة والاكتفاء بالكلام- كما تقدم -، فهذا الامتناع في هذا الوقت الذي يقتضيه -وهو وقتُ المبايعة- دليلٌ على عدم الخصوصية، وإلاَّ فبماذا يُفسر هذا الامتناع في هذا المقام الذي يقتضي عدم الامتناع؟!.
فلو كان مستقراً عند الصحابة هذا المعنى لما احتاج النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يقول للصحابيين ما قَالَ (٣) .
(١) تحفة الأحوذي (٥/٢٢٩) . (٢) أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد (٢/٧١٥رقم١٩٣٠) ، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام (٤/١٧١٢رقم٢١٧٥) . (٣) وللشافعيّ -رحمه الله- توجيهٌ لطيف لهذا الحديث فعن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: كنّا في مجلسِ ابنِ عيينة - والشافعيّ حاضر - فحدّث ابنُ عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بهِ رجلٌ في بعض الليل وهو مع امرأته صفيه فقال: تعال فهذه امرأتي صفيه، فقال: سبحان الله يا رسول الله!، قال: إنّ الشيطانَ يجري من الإنسان مجرى الدم
فَقَالَ ابنُ عيينة للشافعي: ما فقه هذا الحديث يا أبا عبد الله؟ قال: إن كان القوم اتهموا النبي الله صلى الله عليه وسلم كانوا بتهمتهم إياه كفاراً، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدّب من بعده، فقال: إذا كنتم هكذا، فافعلوا هكذا حتى لا يظن بكم أحدٌ ظن السوء، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم يتهم، وهو أمين الله في أرضه. فقال ابن عيينة: جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله، ما يجيئنا منك إلا كل ما نحبه. "مناقب الإمام الشافعي" لابن أبي حاتم (ص ١٤٣) ، "تاريخ مدينة دمشق" (٥١/٣٠٥) .